Pages

Sunday, January 15, 2017

صراع الطوائف في الاديان

ينظر اتباع الاسلام والمسيحية إلى تاريخ دينهم بنوع من الشوق والإعجاب.  ننظر إلى فترات بداية انتشار الدين وكأنها كانت فترات جميلة و نقية وبريئة،  كان الدين فيها واضح وخالي من الشوائب قبل الاختلاف والتشتت إلى طوائف متباينة. في الإسلام ننظر إلى حقبة الخلفاء الراشدين بإجلال وخشوع ونسمع القصص عن السلف الصالح والتطلع إلى قيام دولة تماثل حقبة الخلفاء الراشدين وكذلك في المسيحية نسمع عن الفترات قبل الاختلاف بين الكاثوليك والارتوذكس وعن التوافق الذي ساد في أوائل أيام المسيحية مع بداية عمل الْحَوَارِيُّونَ في نشر رسالة واضحة من يسوع.


يسمح مناخ الحريات في الغرب بدراسة تاريخ الأديان بصورة علمية بحتة بعيدة عن الدراسات الروحانية والقدسية ولذا نجد في العقود الأخيرة كم ضخم من الدراسات عن تاريخ المسيحية وهذه الدراسات تقدم لنا صورة مختلفة عن الصورة المعهودة. يقدم لنا بارت إيرمان أستاذ الأديان بجامعة نورث كارولينا في كتاباته صورة عن صراع ديني بدءا من أول أيام المسيحية ويقدم لنا طوائف انتهت تماما بعد تكفيرها و اضطهادها من قبل التيارات التي انتصرت وكما يقولون "التاريخ يكتبه المنتصرون".


الطائفة الأبيونية كانت بالأساس يهودية تؤمن أن يسوع هو فعلا المسيح ولكن تفهم كلمة المسيح من اللغة العبرية بمعني من مُسح وجههُ بالزيت كإشارة أو علامة لإعلانه ملك اليهود أو ملك إسرائيل. كان الأبيونيون ينظرون إلى يسوع على أنه بشر اختاره الرب لخضوعه لتعليمات التوراة ولطاعته له. التحول إلى المسيحية في نظر الأبيونية كان يتطلب عمل الطهارة واتباع قواعد الأكل اليهودي واحترام تقاليد السبت وبعد كل ذلك اتباع تعليمات يسوع المسيح. لم يُؤْمِن اتباع الأبيونية بفكرة الخلاص وكانوا يعتبرون أن يسوع بعد صلبه عاد إلى ربه.  


الطائفة المارصونية كانت عكس الأبيونية تماما، وكانت تري المسيحية دين جديد وكانت ترفض اليهودية والعهد القديم وكذلك ترفض رب اليهودية. المارصونييين كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة وكانوا يَرَوْن رب اليهود اله غاضب ولكن رب المسيحية اله محبة ورحمة. وكان المارصونييون يؤمنون بأن يسوع لم يكن يوما بشر ولكنه منذ أول أيامه بصفته الإلهية ولذا لم يكترثون بصلب جسد يسوع. كتاب المارصونية المقدس كان بالأساس رسائل بولس الرسول وأجزاء من إنجيل لوقا واعماله.


الطائفة الغنوصية أو المسيحية المعرفية كانت ترى أن يسوع بدء كبشر وعند بداية رسالته نزل المسيح كوجود رباني إلى جسد يسوع وخرج من جسده قبل صلبه وكانوا يقدمون ما ورد بإنجيل مرقس دلالة على صحة عقيدتهم حين صرخ يسوع وهو على الصليب قبل الموت "يا إلهي لماذا تركتني". المسيحية المعرفية كانت ترفض تماما فكرة الخلاص وكانت ترى الطريق إلى الجنة هو معرفة الذات باتباع التعاليم السرية للمسيح. اعتقد أتباع المسيحية المعرفية أن اتباع تعاليم المسيح كما وردت في رسائل بولس الرسول وإناجيل مرقس ومتى ولوقا هي مرحلة أولية قبل مرحلة اتباع التعاليم السرية الخاصة بهم كما وردت في إنجيل توما وباقي تعاليمهم وكتبهم.


إيلين بيجليز أستاذة الأديان بجامعة برينستون ترى ان إنجيل توما سبق إنجيل يوحنا وان إنجيل يوحنا كتب بالأساس للهجوم على إنجيل توما ولذا وصف يوحنا توما بأنه مليء بالشكوك. ورد اسم توما في الاناجيل الاخرى ولكنه كان كواحد من الحواريين بدون أي صفة سلبية.  ترى بيجيلز ايضا ان انجيل يوحنا هو صاحب التأثير الأكبر في تكوين المسيحية على الرغم من أنه كتب بعد ما يقارب ستة عقود بعد صلب يسوع.


طبعا كل هذه الطوائف أعلاه تم تكفيرها وإعلانها هرطقية وعندما اتبعت الدولة الرومانية المسيحية كدين رسمي استخدمت قوة الدولة في محاربة هذه الطوائف وفِي حرق كتبها. الأدلة التاريخية التي استعملها المؤرخون كانت مخطوطات قديمة نجت من الحرق ومن كتابات أباطرة المسيحية الكاثوليكية لمهاجمة هذه الطوائف أعلاه.  نرى أمامنا تاريخ صراع ضخم بين أفكار متباينة بدأ منذ أوائل أيام المسيحية. انتصرت فكرة الخلاص وفكرة أن المسيح يسوع كان له طبيعة بشرية كاملة وطبيعة إلهية كاملة، وكذلك انتصرت فكرة الثالوث المقدس. هذه الأفكار تعتبر اليوم ركائز أساسية للمسيحية.


انتشار الدراسات التاريخية العلمية عن المسيحية في العقود الأخيرة لم يهدد المسيحية في الغرب وربما نرى في نجاح التيار الديني في الانتخابات في الولايات المتحدة دليل على أن الأديان قادرة على الدفاع عن نفسها فكر بفكر. الإنجيل رغم النقد الذي يتعرض له من الناحية التاريخية لا يزال أوسع كتب العالم في الانتشار. استقلال الدين عن الدولة في الغرب فتح المجال للدراسة التاريخية بدون رقابة ولا قيود. وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق بدأت في مناقشة العديد من التابوهات ونرى أمامنا زيادة في مناقشات مواضيع مثل أصل التقويم الهجري القمري الشمسي وتحوله إلى تقويم قمري  قمري ونقرأ أيضا عن نشأة الدولة الأموية وعن أصل النزاع بين السنة والشيعة، الدور الذي قام به معاوية ومن أيده من الصحابة يتلقى مناقشات ومراجعات ولكن بحرص خوفا من عواقب غضب المؤسسات الدينية أو الدولة. في الغرب وباللغات الأجنبية نجد أبحاث في تاريخ نصوص الحديث ولكن قليل ما يتم ترجمته للعربية مثل كتاب السلطة والتسلط في الفتوى بقلم العالم الأزهري د. خالد أبو الفضل أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة يو سي ال ايه الامريكية. اجلا او عاجلا سيأتي البحث التاريخي العلمي المستقل في الأديان إلى قراء اللغة العربية وهذا أمر لا يهدد الأديان ولا يهدد المجتمع ولا يهدد الدولة. إتاحة الفرصة للحصول على الدراسات والمعلومات التاريخية العلمية يفتح الطريق لكل إنسان للسعي خلف الحقيقة والوصول إلى ايمان عن علم وليس عن طريق التغييب العقلي.

أيمن سعيد عاشور

Sunday, January 01, 2017

عقيدة الأمن في مصر

دعوة إلى المراجعة والتغيير
تختلف أساليب الأمن من مكان إلي آخر في العالم ففي الولايات المتحدة مثلا مستوى الأمن في الأبواب والأقفال أقل عما هو عليه في أوروبا ، وربما يعود ذلك لسهولة تداول السلاح في أمريكا مما والأقفال المؤمنة لن تصمد أمام لصوص محملين بالأسلحة النارية.
تختلف أيضا طرق مكافحة الحرائق وأنظمة السلامة  .. فبينما لدى البريطانيين رجال إطفاء يعمدون إلى حصر وإحاطة الحرائق من الخارج إلى الداخل يعمد رجال الإطفاء الأمريكيين إلى مهاجمة الحريق نفسه بملابس مضادة للحرق وأجهزة تنفس وهو ما يؤدي إلى  ارتفاع عدد القتلى من رجال الإطفاء الأمريكيين كما رأينا  أثناء أحداث 9/11 و كما نرى المآسي السنوية في حرائق الغابات الأمريكية. وفي تباين آخر نجد عقيدة الشرطة الأمريكية تعمد إلى البقاء بعيدا عن الخطر مثل ما نشاهد أثناء توجيه الأمر إلى سائق السيارة المشتبه فيه بالخروج منها واضعا يديه خلف رأسه وإلا فإنه سوف يمزق لقطع صغيره وهذا الأسلوب يؤدي إلي عديد من القتلى بلا ضرورة،
هذه الطرق المتباينة، المتعارضة لها جذور تاريخية وثقافية تتغير مع الزمن. وبالمثل فإنه فى مصر نستطيع ملاحظة أساليب معينة يمكن أن تتباين مع الطرق المتبعة في أماكن أخرى من العالم . وسوف أركز على النقاط الأساسية الآتية: التدوير والتنقلات -هيكل الورديات - خنق التجمعات -معوقات السلامه
التدوير والتنقلات
تفضل هيئات الأمن المصرية تدوير ونقل ضباطها بين أماكن ومهام مختلفة فقد يتم مثلا نقل ضابط جوازات في أسوان ليعمل في مكافحة الجريمة في الإسكندرية وقد ينقل ضابط يقوم بضبط أمن المسافرين في مطار أسيوط ليعمل في نقطة حراسة في سيناء وهكذا ..
هناك فوائد تاريخية في أن تكون قوات الأمن ملمة بمناطق مختلفة ومهام مختلفة ولكن معظم دول العالم الآن ترجح التخصص في مجالات الأمن المختلفة .. في بريطانيا مثلا تعتمد المطارات علي شركات حراسة متخصصة في حراسة المطارات وفي الولايات المتحدة، بعد أحداث 9/11 تم إنشاء هيئة حكومية متخصصة في أمن المطارات.
إن طبيعة الأخطار في هذا الزمن تحتم الاعتماد على متخصصين في كل المجالات .. ففي الولايات المتحدة وبريطانيا يختلف ضابط فحص الركاب عن ضابط فحص الجوازات .. لكل منهما تدريب مختلف وتكنولوجيا مختلفة ومهامهما ليست مجرد مأمورية تنتهي بعد فترة من الوقت حيث أن أحدهما يبحث عن خطر فوري بينما الآخر يبحث عن خطر مستقبلي.
تنظيم الورديات
خلال سفراتي في العديد من بلاد العالم من هونج كونج واليابان في إلى ألمانيا وسويسرا  في أوروبا وفي دول الشرق الأوسط مثل الإمارات والأردن لا أذكر أنني شاهدت إطلاقا مسؤول أمن في موقع حساس يشرب الشاي أو يدخن سيجارة أو يتحدث في تليفون شخصي مهما كان موقع عمله , ولكن هذه الأفعال معتادة في مصر بشكل روتيني والسبب الأساسي هو طيلة مدة الورديه بدون جدولة فترات راحة وكذلك غياب المتابعة.
وفي الحقيقة فإنه يستحيل أن تتهم مسئول أمن في اي مكان حساس بالتقصير إذا كانت مدة ورديته تمتد إلى 8 أو 12 ساعات متواصلة بينما المهمة تستلزم المراقبة الدقيقة والفحص ورد الفعل السريع وربما التدخل الفعلي لوقف خطر ما.
خنق التجمعات
يبدو أن خنق التجمعات جزء أساسي من عقيدة الأمن المصري.  نلاحظ خلق مسارات ضيقة سواء كان ذلك في نقاط تفتيش الطرق أو محطات المترو أو مداخل المباني أو المطارات وهذه المسارات الضيقة تنشئ زحاما شديدا يجعل من الصعب ملاحظة الأخطار بالوسائل الالكترونية مثل الكاميرات أو من خلال المتخصصين المدربين. من الصعب جدا في الأماكن شديدة الازدحام ملاحظة أي سلوك غير طبيعي أو يدعو للاشتباه. فكرة عنق الزجاجة تضيف أخطارا أمنية سواء تجاه رجال الأمن أو تجاه المسافرين  لأنها تسمح بإدخال أسلحة أو متفجرات مخفيه تجاه بوابات الأمن، الازدحام يعمل كحليف للإرهاب.


مثلا في الصالة رقم 3 بمطار القاهرة توجد أبواب متعددة ولكن الأمن يستخدم منهم بابا واحدا أو اثنين فقط. نرى على سبيل المثال في اليابان والسعودية  مثل مصر نقاط تفتيش للسيارات المتجهة إلى المطار ولكن في مصر تصب حارات الطريق في نقطة واحدة او نقطتين للتفتيش على عكس اليابان والسعودية حيث توجد نقطة تفتيش لكل حارة لتجنب حدوث الاختناقات ولتحقيق أهداف الأمن والسلامة معا.
معوقات السلامه
السنوات الأخيرة شهدت تقدم واسع في علوم الأمن والسلامة ومصر مثل باقي دول العالم تنفق أموال ضخمة في  نظم ومعدات معدات الأمن المتطورة ، فهناك أنظمة للكشف المبكر والإنذار عن الحرائق وأنظمة أخرى لاطفائها  ولمنع انتشار الدخان وتسهيل خروج الناس في حالات الطوارئ ويجب ملاحظة أن عدد المخارج يجب أن يكون متناسبا مع المساحات والاستخدامات المعنية .
في ميدان التحرير في قلب مدينة القاهرة يوجد مثالين لتوضيح كيف يتم التضحية بسلامة المواطنين من خلال طرق الأمن التقليدية وذلك بعمل اختناقات للتجمعات كما أوضحنا من قبل .. معظم مداخل محطة مترو السادات مغلقة بشكل دائم و يقتصر الدخول والخروج من هذه المحطة المزدحمة جدا علي عدد قليل من المداخل حيث يقوم المفتشون العاملون لورديات طويلة بتفتيش الداخلين فإذا حدث طارئ بالفعل فإن النتائج ستكون كارثية لأن معظم المخارج مغلقة تماما.
نفس المشكله موجوده في جراج التحرير الذي تم إنشائه تحت الأرض  بشكل متطور وحديث ولكن معظم مخارج النجاة مقفوله ولا يمكن فتحها من الداخل
هذان المثالان الحقيقيان يوضحان كيف أن خنق التجمعات يؤدي إلى التضحية بالسلامه بينما في الواقع لا يتم تحسين الأمن.
نظرة الي المستقبل
إن تطور أنواع وأحجام المنشآت وكذلك طبيعة  الأخطار في العالم بما فيه مصر يستدعي من السلطات المعنية تطوير أساليب التعامل مع الأمن والسلامة وإدارة الأزمات وهذا أمر عاجل وملح ليس فقط لحماية المواطنين وإنما لحماية رجال الأمن أيضا.
التعامل مع أنواع الأخطار الحديثة مثل الأعمال الانتحارية تستدعي الإقلاع التام عن أسلوب خنق وتركيز التجمعات ... المطلوب هو العكس تماما. وحيث أن مصر الآن تستثمر في شراء معدات أمنية متطورة فإنه من المحتم أيضا النظر في شئون الأفراد القائمين علي العمل .. مطلوب تخصص رجال الأمن في مهام محددة وتدريبهم على مهام تخصصاتهم وأهم شيء نظام مراقبتهم بطرق إدارية حديثة أثناء أداء أعمالهم. أخيرا أود التأكيد على أنه لا يجب التضحية بالسلامه من أجل ضمان الأمن لأن النتائج قد تكون مروعة.


أيمن سعيد عاشور