Pages

Friday, September 25, 2015

الهجرة .. بين الحلم و الكابوس

الهجرة و الخروج من مصر هم الحلم الكبير لملايين او على الاقل مئات الالاف من شباب مصر. الاسباب في الرغبة في الهجرة من قرأتي على الفيسبوك و من حواري مع العديد من الأصدقاء متباينة و لكنها تنحصر في واحد او اكثر من الاسباب الآتية: 

١. الوضع الاقتصادي و صعوبة الحصول على عمل مناسب و القدرة على تحقيق طموحات مادية 

٢. مناخ القمع و الحريات السياسية و الديمقراطية المفقودة.

٣. العلاقة مع المجتمع و الرغبة في البعد عن عادات و تقاليد المجتمع و ايضا ما يراه البعض من تخلف اجتماعي و أمراض متفشية في المجتمع. 

٤. الرغبة في الحصول على جنسية اخري. جواز سفر اجنبي يسهل الحركة و السفر و يعطينا نوع من التأمين على المستقبل

ربما يكون للبعض اسباب اخرى و لكني اعتقد ان دواعي الغالبية العظمى للهجرة تنحصر في الاسباب اعلاه. 

الهجرة تختلف عن العمل بالخارج لعدة سنوات لتحقيق أهداف اقتصادية معينة مثل شراء شقة أو سيارة او تأمين المستقبل. في تلك الحالات يري الانسان نفسه في مصر و يبني حياته في مصر و لكنه لا يسعي الى ترك مصر. السفر للخارج مؤقت لأغراض أساسا مادية. لن أتعرض للسفر الموقت لبلاد الخليج و غيرها. و هنا أبدء بأول النقاط التى اريد ان اتعرض لها و هي وضوح الهدف و قبول فكرة ان الأهداف تتغير مع الوقت. 

عندما تحصل على الجنسية الامريكية و تقسم الولاء للولايات المتحدة فأنت قانونا تتمتع بالعديد من المزايا كمواطن أمريكي و لكن عليك ايضا العديد من المسؤوليات. و حتى في الدول التي لا تستخدم قسم الولاء هنالك قبول ضمني بمسؤوليات المواطنة. في امريكا ستجد نفسك و اولادك معرضين للتجنيد الإجباري في حالة حرب ( حتى قبل الحصول على الجنسية) و ستجد نفسك كأمريكي مسؤول عن ماضي امريكا. كما تتمتع اليوم بمزايا امريكا فأنت ايضا مسؤول عن جرائمها التاريخية و محاولة الدولة و المجتمع تصحيح اخطاء الماضي. الكذب في امريكا جريمة و ليست مجرد جنحة يعاقب عليها القانون. 

قبل ان تترك مصر للهجرة لأسباب سياسية او اجتماعية عليك ان تدرس الوضع السياسي و الاجتماعي في مقصدك. كثيرا ما اسمع "انا عايز اطفش من هنا و خلاص" و غالبا تكون تلك العبارة مؤشر للفشل. احيانا "اطفش من هنا" ما هي الا غضب من النفس و نحاول ان نجد شماعة خارجية له ، مصر ، الأهل، مشاكل عاطفية الخ. 

الكثير يعتقد انه سيكون قادر على انتقاء ما يريد من المجتمع حوله و الحفاظ على هويته و دينه و طريقة حياته بعد الهجرة. و لذا نجد الكثير من المصريين الذين هربوا قرفا من المجتمع المصري يحيطون أنفسهم بالمجتمع نفسه بعد الهجرة. المسجد او الكنيسة يصبح مركز أساسي للحياة الاجتماعية و بالذات مع وجود أطفال. قضيت ما يقرب من الأربعون عام خارج مصر و رأيت أمثلة عديدة هاجروا هربا من المجتمع المصري و سعيا للحريات المتاحة في امريكا يبذلون جهد عظيم لمحاربة الحريات حولهم و لإعادة خلق مجتمع مصري حولهم. 

قرات احصائية نشرت بعد سنتين او ثلاثة من ١١ سبتمبر ٢٠٠١ ان حالات المرض النفسي زادت كثيرا في شباب العرب و المسلمين الامريكين و فاقت المتوسط العام في امريكا. اعتقادي الشخصي ان هذا نتيجة الانفصام الذي يعيشه العديد من المهاجرين. يجد الصغار أنفسهم في مناخ غريب، الأب و الام الذين هاجروا الى امريكا ساخطون على المجتمع حولهم و لكن لا يرغبون في العودة الى بلدهم. و المساجد في امريكا عادة هي ملجا للمهاجرين الجدد، الغالبية العظمى من المتطوعين للتدريس و العاملين بالمساجد من حديثي القدوم و لذا ستجد اولادك يتعرضون الى منهج ديني ربما لا يناسبك ومختلف عن ما نشئت انت عليه. رأيت حالات عديدة على مر السنين من الأبناء يتشبعون اسلام متشدد اعتبره انا شخصيا متطرف على عكس اهاليهم. 

مع وصول الأبناء الى سن المراهقة يبدء التحدي الكبير و الكوارث المحتملة في نظر البعض. ابنة الثالثة عشر الواقعة في غرام صديق و ال crush و ابنة الخامسة العشر التي تعلن ان لديها بويفرند و الابن الذي يشهر مثليته و هنا تبدء الأسر التي هاجرت الى الغرب العودة الي الشرق لتجنب وقوع كوارث أسرية. في مصر، الضرب و الحرمان من الخروج هي وسائل التعامل مع تلك المشاكل و لكن الغرب و حرياته المنشودة يعطي الطفل و المراهق حقوق لا توجد في مصر. رأيت بيعني الابنة التي أعلنت لأسرتها انها حامل و هي في ما يقابل الثانوية العامة و رأيت الابن الداعشي الذي ألقي القبض عليه بعد ان وقع في مصيدة خبيثة نصبتها له الاف بي اي و كذلك رأيت الشاب المثلي الذي جهر بمثليته و اصبح ناشط من سن صغير و كل تلك الأمثلة من أسر محافظة تقليدية. اتذكر صديقي القبطي المصري و كان من النشطاء الاقباط الذين هاجموا الاسلام و المسلمين بعنف و شراسة بعد ال ٩/١١ و رغم ان معاملاته الشخصية معي و مجاملته لي في الأعياد كان غاية في الذوق و الجمال الا انه كان فعلا متطرف، حصلت ابنته على بكالوريوس حقوق في جامعة أمريكية كبري و أصبحت محامية حقوق إنسان تدافع بالأخص عن المسلمين. 

لا احاول اثناء اي إنسان عن تحقيق حلمه و ما يسعى اليه و لكن رسالتي هي الاتي: أتقبل تماما أسبابك للرغبة في ترك مصر و لكن عليك ايضا ان تدرس بعمق و صدق مع النفس البلد الذي تريد الهجرة اليه. انت على وشك اتخاذ قرار مصيري و لا يمكن ان تبني قرارك فقط على ما تكره و ما تريد ان تتجنب، يتعين عليك ان تقرر اذا كان المجتمع الغربي و الحريات في الغرب هو ما تريد حقا. الحفاظ على تقاليدك و دينك ممكن و له ثمن كبير و لكن الحفاظ على التقاليد و الدين مع اولادك و اولادهم غاية في الصعوبة و انظر الى المهاجرين من الدول المختلفة عبر التاريخ العادات و التقاليد تتلاشى و العلاقات مع  الأهل تضعف ثم تنتهي. 

اذا كانت رغبتك الهجرة الموقتة لأغراض اقتصادية او للحصول على جواز سفر يجب ان تكون واضح مع نفسك و ان تدرس الثمن الذي ستدفعه بوضوح و بشفافية مع نفسك. 

سمعت من الممثل البريطاني مايكل كاين في حوار في أوائل الثمانينات جملة أعيش بها حياتي الي يومنا هذا " عندما اجد نفسي على فراش الموت و انظر الي حياتي لن احزن انني فشلت في شيي ما و لكن ندمي و حزني الأكبر سيكون على ما لم افعل" 

أيمن سعيد عاشور 

No comments:

Post a Comment