Pages

Wednesday, January 20, 2016

تقول الكلمات: نحن هنا!

مراجعة لكتاب منى الطحاوي: الحجاب و غشاء البكارة


اخر جملة في كتاب مني الطحاوي الحجاب و غشاء البكارة هي " تقول الكلمات: نحن هنا"   صدر كتاب الطحاوي بالانجليزية في اوائل العام الماضي و تمت ترجمته و نشره في العديد من دول العالم. هذه المراجعة للنسخة الاصلية الامريكية.

يثير اسم منى الطحاوي الكثير من الجدل في الحركات النسوية المصرية و تتعرض للهجوم من تيارات مختلفة لاسلوبها تارة و لمواقفها تارة اخرى. هذه المراجعة ليست دفاع عن او هجوم على شخصية الطحاوي و لكنها فقط كما يقول العنوان مراجعة لكتاب غاية في الاهمية، يقراه العالم حولنا و لكنه غير متاح الي الان لقراء اللغة العربية. دعنا نراجع كلمات الكتاب متجردين من الاحكام المسبقة عن الكاتبة و عن العنوان.  دعنا نبحث ماذا تعني الطحاوي بهذه الجملة و ماذا تقول هذه الكلمات؟

تحطيم التابوهات:  تستعين الطحاوي بخبرات الحركات النسوية العالمية و بالاخص من الامريكيات ذوي الاصول الافريقية و اللاتينية. تعرض العديد من رائدات الحركات النسوية ذوي الاصول الافريقية و اللاتينية للهجوم بانهن يسببن زيادة العنصرية ضد السود و المكسيكيين لنشرهن الفضائح الخاصة بهذه المجتمعات، تسرد الطحاوي نقاش هؤلاء السيدات لفكرة تأجيل تحقيق المساوة للمرأة لما بعد تحقيق المساواة العنصرية و توضح انها ما هي الا محاولة للدفاع عن الامر الواقع .. الظالم!  الصمت هو السلاح الاساسي الذي تستخدمه المجتمعات الذكورية لاخضاع النساء، الصمت هنا هو صمت المراة، سكوتها عن الظلم و المعاناة!  و لذا بدأت الطحاوي بنفسها و رغم المرارة و صعوبة تجاربها الشخصية سردت الطحاوي بالتفصيل معاناتها الشخصية من التحرش كطفلة في السعودية و في مصر و تقدم بالتفصيل قصتها مع العنف الجنسي في شارع محمد محمود و ما تعرضت له بعد اعتقالها.

الحجاب و غشاء البكارة ليس كتاب مذكرات منى الطحاوي و لكنه كتاب عن الواقع الذي تعيشه النساء في الدول العربية، تجاربها الشخصية ما هي الا جزء  من تجارب عديدة تقدمها لنا من قصص من نساء قابلتهن بنفسها او قرات ما كتبن او كتب عنهن. الكتاب يقارن بين الواقع في المجتمع و ما هو معلن. تقارن الحقيقة التي تعيشها النساء مع المواقف الرسمية للدول وما تقوله الدول علنا في المحافل الدولية و نص القوانين. تقارن الطحاوي بين ما يقوله رجال السياسة و الدين عن حماية و صون للمرأة و ما تعيشه النساء كواقع حي. هذا ليس بكتاب مقالات او آراء و لكنه بحث جاد مليئ بالمصادر يستخدم القصص الشخصية للكاتبة و عشرات اخرين لتقديم صورة لواقع المعاناة. هذا ليس بكتاب سهل على القارئ و لي فقط ان اتخيل الصعوبة و المعاناة في كتابته. تصرخ صفحات الكتاب ضد العنف و التمييز الذي تتعرض له المراة في العالم، تصرخ الصفحات ضد انعدام المساوة بل و العبودية التي تتعرض لها النساء في كل مراحل الحياة.

يناقش احد الابواب موضوع العذرية و تقدم الطحاوي دراسة مفصلة عن الختان وقص و تشويه البنات كما تسميه الطحاوي و تاريخه و انواعه في البلاد المختلفة . قرأت معلومات جديدة لم اعلمها من قبل رغم قرآتي و كتاباتي في هذا الموضوع. لم اكن اعلم عن الممارسة الواسعة لأنواع من الختان في دول الخليج العربي. ربما يساهم النشر الواسع لهذا الكتاب في القاء بعض الضوءعلى المجتمعات التي يتفشى فيها الختان بدون حوار او مناقشات و بعيدا عن عيون الصحافة و المنظمات الدولية. صدمت تماما عندما قرات عن ممارسة الختان حتي فترة ليست ببعيدة في الولايات المتحدة واوروبا و كما اشارت الطحاوي نجاح بعض المجتمعات في القضاء علي هذا النوع من التعذيب البدني و النفسي للبنات يقدم لنا نوعا من التفاؤل بالقدرة على القضاء على تلك العادة البغيضة.

ربما يكون الجزء المتعلق بقوانين الاسرة و الاحوال الشخصية في الدول العربية اهم ما في الكتاب و اقربه الي اجندات الحركات النسوية في مصر و العالم العربي. تقدم الطحاوي  دراسة مستفيضه من دولة عربية الي اخري عن الوضع القانوني للمرأة و تقود القارئ الي استنتاج ان القوانين في العالم العربي كله تعاني من ذكورية بشعة و تعامل النساء كالاطفال و احيانا كسلع او ممتلكات. نقرأ عن امرأة من دولة الامارات تجاوزت الخمسين، متعلمة و ناجحة و لكنها تحتاج موافقة رسمية من ابنها ذو التسعة عشر عاما للزواج. نقرأ عن رجال الشرطة و الانقاذ في لبنان عاجزين عن دخول بيت زوج عذب زوجته، لم يتمكنوا من دخول "حرمة" البيت لانها مسألة عائلية خاصة بالزوج، ماتت الزوجة و لم ينقذها رجال الاسعاف او الشرطة … مشكلة عائلية خاصة بين الزوج و امرأته! تحدثنا الطحاوي عن غياب قوانين العنف الاسري و المعاملة القانونية للاغتصاب و تشجيع من تقع فريسة للاغتصاب بالزواج من الجاني في البلاد المختلفة مع تقديم امثلة حية و في بعض الاحيان تصريحات سياسية او نصوص من القانون. نكتشف معا ان السعودية و هي رمز للرجعية في الدول العربية نجحت في اصدار قانون لتجريم العنف الاسري قبل لبنان رمز التحرر و التقدم!

تقدم الطحاوي فكرة ذكورية المجتمع و التقاليد كفكرة مستقلة تماما عن الدين. تجنبت الطحاوي الخوض في الدين او التفاسير المتباينة و لكنها قدمت قصة السيدة خديجة كامرأة مستقلة، تعمل بالتجارة و تتعامل مع رجال كمرادف لصورة المرأة التقليدية في الاسلام. اوضحت الطحاوي وجود عملية انتقاء ذكورية فيما يكتب عن  الاسلام. امامنا قصص و تفاسير مختلفة و لكن المجتمع الذكوري يختار ما يناسبه من الاسلام للتشريع و التبني و يتشدق بالقصص و التفسيرات التي تؤيد استقلال المرأة و كيانها و انسانيتها.
تحطيم التابوهات انتقل الي مواجهة الادعاء الشائع بان النساء في الحقيقة يحكمن في المنازل، وان المرأة العربية و المسلمة هي سيدة البيت. الحقيقة كما قدمتها الطحاوي ان النساء في البيت تعملن في خدمة الرجال بدءا من مراحل الطفولة و ان فكرة المرأة القوية في البيت ما هي الا اسطورة يشجع المجتمع المرأة علي تصديقها من اجل الحفاط على الذكورية الظالمة و محاولة لتجنب الخوض في وضع المجتمع الظالم البعيد عن المساواة. كذلك لم تخجل الطهاوي في انتقاد الذكورية في الربيع العربي. رغم المشاركة الواسعة للمرأة المصرية و العربية في ٢٥ يناير و غيرها و رغم وقوف النساء كتف لكتف مع الرجال في الميادين، العديد من الرجال في الحقيقة غاية في البعد عن الايمان بمساواة المرأة لهم في الحقوق و غير مستعدين لقبول حرية و مساواة المرأة للرجل. الاغلبية تريد اسقاط النظام الظالم كأولوية و تري امورا مثل حقوق المرأة ثانوية، تأتي لاحقا.
اعجبني في الكتاب طريقة الطحاوي في تقديم آرائها بوضوح و الاستدلال بالحقائق لتأييد قناعاتها. و لكن هناك نقطة مركزية في الكتاب وهي استحالة نجاح الثورات السياسية بدون ثورة نسوية  اجتماعية لتحقيق المساواة، تري الطحاوي ان ثورة المرأة و المساواة ضرورية لنجاح الثورة السياسية. في هذه النقطة المركزية فشلت الطحاوي في تقديم ما يساند هذه الفكرة. ربما نظرة سريعة الي تاريخ الثورات في العالم ترينا موقف مغاير للطحاوي. دعنا ننظر الي توقيت حصول المرأة على حق التصويت في الولايات المتحدة او بريطانيا، قرون عديدة بعد ثورات سياسية ناجحة. رغم تاييدي لرغبة الطحاوي الا اني ارى هذا الاستنتاج مشابه للفكرة المثالية القائلة بأن الظلم لا يقيم الدول و المجتمعات … الحقيقة مختلفة و التاريخ لا يؤيد هذه المثالية االروحانية لجميلة، الانظمة الاستعمارية، تجارة العبيد و نظام العبودية، الدولة الرومانية، دولة المماليك، احتلال الصين للتيبت، اسرائيل … كلها ادلة على ان الظلم قادر على النجاح و الاستمرارية. ربما تكون هنالك نقطة اخري و هي استغلال مناخ الثورية السياسية في تشجيع النساء على مواجهة الظلم الذي يتعرضن اليه في أسرهن و المجتمع و لكن اشارة الطحاوي لها كانت عابرة و لم تطورها كفكرة متكاملة مستقلة.

شجاعة الطحاوي في الدفاع عن قضيتها، الحرية و المساواة الكاملة للمرأة استمرت في الغرب و ليس فقط في الشرق.  تنتقد الطحاوي صمت الادارة الامريكية عن انتهاكات حقوق النساء في الدول الاسلامية بحجة أنها نوع من الاحترام للتقاليد الدينية و استخدمت موقف الوزير جون كيري اثناء زيارته للسعودية و رفضه الحديث عن حق النساء في قيادة السيارات. كذلك لم تصمت الطحاوي على البعض من التيارات اليسارية في الولايات المتحدة الذين يختارون الصمت على انتهاكات بشعة بحجة تقبل ثقافة الغير. قدمت الطحاوي تحد واضح لمن يسكت على الظلم و أسمته بالعنصرية و الاستشراق الجديد. هولاء اليساريين يقيمون باختيارهم أسقفا لحقوق المرأة في المجتمعات العربية، الشرقية، الاسلامية و يعتقدون أنهم بهذا الاسلوب تقدميون و لكنهم في الحقيقة يشاركون في رجعية بشعة و يمارسون العنصرية النسبية.

الحجاب و غشاء البكارة كتاب هام بقلم كاتبة شجاعة. يتهم العديد منى الطحاوي بانها تكتب للغرب و ربما عدم نشر هذا الكتاب الى الان بالعربية هو افضل دفاع. حقق الكتاب نجاحا واسع من نيجيريا الي الهند و تشارك الطحاوي في منتديات فكرية في شتي بقاع الارض و لكن لا يوجد منبر متاح لها في مصر و العالم العربي. الكتاب يكشف الكثير من القبح في مجتمعاتنا و يسلط الضوء على ما نخشاه و يناقش قضية غاية في الاهمية من عدة جوانب بجرأة و شجاعة و لكنه ايضا يحتوي على الامل في مستقبل افضل. آلطحاوي تقدم لنا العديد من الأمثلة  من المغرب الي السعودية عن شجاعة المرأة في السعي للحرية و المساواة. السكوت عن الظلم هو الاستسلام له، الاستسلام لذكورية و ظلم المجتمعات و النساء الشجاعات اللاتي يرفضن الصمت و يتحدثن و يكتبن و يقدمن البلاغات و يرفعن القضايا و يقصصن قصصهن و يحكن حكاياتهن يتحدين بالكلمات الظلم و يقلن نحن هنا .. بكلماتنا نقول: نحن هنا!

أيمن سعيد عاشور

نشر هذا المقال اولا على موقع زائد ١٨

No comments:

Post a Comment