غياب الديمقراطية و الشافية غاية في الوضوح في التعامل مع الأمور الاقتصادية في مصر. السياسة العليا للبنك المركزي و الدولة تجري في ظلام دامس و نحاول ان نستشف المنطق من الأفعال و القرارات ، و ما الذي يدفع الدولة الي تبني السياسات المختلفة. وضع عجيب الصراحة!
المشاكل الاقتصادية التي تواجها مصر واضحة تماما:،
- شحة الاستثمار الخارجي في مصر
- تدهور استثمارات المصريين في مصر
- انهيار السياحة في عدة دول و مصر بالذات بعد كارثة الطائرة الروسية و سفاري المكسيكيين في الصحراء.
-،تدهور سعر البترول و الاستغناء عن نسب متزايدة من العمالة الأجنبية بما فيها المصرية من دول الخليج.
-،صعوبة الحصول على منح اقتصادية من دول الخليج نتيجة العجز الاقتصادي الذي تواجه هذه الدول من انهيار سعر البترول.
- وأخيرا زيادة سعر الدولار الامريكي امام الغالبية العظمي من عملات العالم و هو بالتالي يعني زيادة قيمة الجنية المصري امام عملات مثل اليورو و الاسترليني و مختلف العملات الحرة و هو ما يضعف الوضع التنافسي للمنتجات المصرية.
تختلف الاّراء عن مسؤلية النظام المصري عن المشاكل أعلاه و لكن بغض النظر عن أسباب المشاكل فهذه المشاكل الصعبة هي الحقيقة أمامنا. في الدول الديمقراطية التي تتمتع بوجود الرأي و الرأي المعارض نجد مناظرات في البرلمان و وسائل الاعلام المختلفة و محاولات مستمرة لاقناع الشعب بالحلول المختلفة ... ولكن ليس في مصر .. هنا نجد قرارات نقدية و اقتصادية بدون عملية بيع و تسويق للأفكار و حتى العديد من اجهزة الدولة نفسها لا تعلم بأسباب القرارات. ثقافة بيع و تسويق الحلول الاقتصادية مفقودة تماما.
نستشف من الأحداث حولنا ان الاولوية لدى البنك المركزي هي الحد من التضخم. زيادة الأسعار تحدث لا محالة و لكن البنك المركزي يعمل بكل الوسائل المختلفة لمحاربة معدلات الزيادة. اذا توقف البنك المركزي عن القيود المختلفة لحماية الجنية المصرية قد نري سعر الدولار يقارب ضعف ما هو عليه الان في شهور قليلة كما حدث مع دول جنوب شرق اسيا في اخر تسعينات القرن الماضي. و هنا يمكن ان نتحدث عن نجاح نسبي و ليس مطلق. اعتقد ان صانعي القرار في البنك المركزي يعلمون تماما ان القيود المختلفة تؤثر على الصادرات و تخنق الاستثمار الداخلي و الخارجي و لكنهم يَرَوْن ان هذا ثمن مقبول للدفاع عن الجنية المصري للحد من زيادة الأسعار.
نترك السياسة النقدية و ننظر الي السياسة الاقتصادية و هنا نجد ان الدولة وصلت الى قناعة و هي ان غياب السياحة و الاستثمار الخارجي سيتسمر الى اجل غير مسمي. و هنا القرار الذي يبدوا ان الدولة اتخذته هو اللجوء الى المشاريع الكبري. المشاريع الكبري التي تقودها الدولة اغلبها في البنية التحتية و الهدف منها هو ضخ السيولة في الاقتصاد أولاء و ثانيا فوائد تحسين البنية التحتية عندما تعود السياحة و يعود الاستثمار. إذن ستعتمد الدولة على المشاريع الحكومية بالاساس لتحقيق قدر كافي من النمو الاقتصادي. سرعة المشاريع و ضخ السيولة غاية في الاهمية حتى لا بعود الاقتصاد الي فترة ركود مشابهة لفترة نهاية ٢٠١٣.
كيف ستقوم الدولة بتحقيق مشروعها الاقتصادي أعلاه، نصل الان الى السياسة المالية للدولة و هي تعتمد بالاساس على زيادة العجز في الميزانية و العمل على زيادة الموارد الضريبية و تقليل النفقات الحكومية الغير استثمارية مثل الدعم و الهيكل الوظيفي الضخم.
لا اعرف اذا ما توصلت اليه أعلاه هو فعلا أركان السياسة الاقتصادية التي يعتمد عليها النظام ام لا. غياب الديمقراطية و صراع الأفكار الاقتصادية بشفافية يجعلني اعتمد على التخمين حتى أتوصل الى فكر الحكومة.
لو ما كتبت أعلاه فعلا حقيقيا يبدو ان هنالك تقدم محدود، الاحتياطي النقدي في زيادة محدودة للشهر الرابع على التوالي، الاقتصاد لا يزال في نمو مستمر رغم انخفاض معدلات النمو بعد ان كانت على وشك الوصول الى ٥٪.
الكارثة ان الدولة لا تصارح الشعب و تتعامل معه بابوية و سلطوية و لذا يتعرض النظام الى هجوم مستمر في سياسته الاقتصادية. الكارثة ايضا ان معظم وزرات الدولة و اجهزتها مثلها مثل الشعب، تجهل الخطة الاقتصادية و لذا، على سبيل المثال، نجد محاولات دفاع مستميتة عن جدوى مشروع قناة السويس في ذاته. الأرقام لا تكذب على مستوي المايكرو او المشروع نفسه لم توجد مبررات اقتصادية كافية للمشروع و حتى اذا كان المشروع من الممكن ان يحقق جدوي اقتصادية اذا تم عمله بسعر منخفض و على فترة طويلة تتناسب مع الاحتياجات الفعلية له. و لكن الحقيقة ان المشروع نجح على مستوى الماكرو اذا كان هذا هو الهدف فعلا:،تحريك الاقتصاد من الركود و رفع معدلات النمو الاقتصادي. التطبيل الفارغ اساء و لم يساند.
رئيس الوزراء، مجموعته الاقتصادية و المالية و البنك المركزي يتحدثون مع البنك الدولي و صندوق النقد و مع المسؤلين في الدول المختلفة و لكن كلهم صامتون تماما عن اي مصارحة اقتصادية مع الشعب نفسه و حتى مع باقي زملائهم في الحكومة. صمت كارثي يجعل النظام باستمرار في وضع الدفاع عن نفسه و سياساته.
طبعا هنالك احتمال ان قرأتي للسياسة النقدية و الاقتصادية و المالية أعلاه يكون خاطئ تمام وان الصورة المتناسقة التي قدمتها أعلاه هي خيال من دماغي و هنا تكون الكارثة اكبر.
أيمن سعيد عاشور
نشرت هذه المقالة في موقع زائد ١٨