Pages

Tuesday, February 09, 2016

التعذيب و محور الشر

تتفشى ثقافة العنف في مصر. العنف موجود في التعامل مع الأطفال في البيت والشارع والمدرسة والملعب، العنف موجود في المظاهرات السلمية وغير السلمية.. العنف موجود في أفلامنا وأغانينا، لكن رغم تغلل العنف في المجتمع، هنالك رفض واسع  لممارسته من قبل الدولة. التعذيب كان ولا يزال من أكبر أسباب غضب الشعب المصري، وربما كانت سلخانة التعذيب في ليلة الاتحادية  ٥ ديسمبر ٢٠١٢ هي نقطة التحول الأهم والمحرك الأكبر في انقلاب الشعب المصري على الإخوان المسلمين ونظامهم.
اصدق أن هنالك رغبة حقيقية من النظام المصري  للتخلص  أو على الأقل الحد من التعذيب والعنف في تعامل الشرطة وأجهزة الأمن مع المواطنين.. اتذكر حديث وزير الداخلية، منذ أكثر من عامين قبل توليه منصبه، في برنامج تلفزيوني عن دورات تدريب تقوم بها الوزارة عن حقوق الإنسان، تحدث باستفاضة وباستخدام ألفاظ علمية حديثة عن برامج كان يقودها عندئذ كمساعد لوزير الداخلية.. التخلص من التعذيب يعني تغييرا واسعا في منظومة ضخمة تحتكر قانونيا آليات العنف في ومن مجتمع يستعمل ويقبل العنف: النجاح في إحداث التغيير المطلوب يتطلب الكثير.
فكرة التغيير والنجاح في التغيير غاية في الأهمية في إدارة الأعمال، توجد كورسات عن إدارة التغيير change management وكتابات عديدة عن فكرة التغيير نفسها.
في مادة دمج وشراء الشركات التي أقوم بتدريسها منذ سنوات، جزء عن  التغيير وآلياته والعقبات التي يواجها من يسعى له.. مقاومة التغيير تشكل أحد أهم الأسباب لفشل مشاريع دمج شركات، ونرى أمامنا أمثلة عديدة: فشل دمج شركة كرايزلر الأمريكية مع  شركة  دايملر بنز الألمانية، ومثال آخر شهير في التكنولوجيا والإعلام  لشركتين أمريكتين، وهما إيه أو إل AOL وشركة تايم وارنر.
“التغير هو كإزالة شريط بلاستر لازق على جلد الإنسان، حدث صعب ومؤلم.. بطيء ومؤلم أو سريع ومؤلم” هذا المثال هو أحد الكليشهات حول صعوبة التغيير، يعبر بدقة عن طبيعة البشر.. التغيير صعب ومؤلم كإزالة البلاستر: change is painful, fast and painful or slow and painful. بعد استخدام جورج بوش لتعبير محور الشر أو Axis of evil ابتدعت استخدام التعبير ذاته لشرح طرق مقاومة التغيير وكيفية التعامل معها لطلابي.. يتكون محور الشر كما أقدمه من ثلاث نقاط:
أولا: لا يعلمون:
هنالك البعض قادرون على التغيير، ولكنهم لا يعلمون أن التغيير حقيقة مطلوبة وأن هنالك حاجة جادة للتغيير.. يقاومون التغيير لأنهم لم يصدقوا أو يفهموا أنه فعلا مطلوب.
ثانيا: لا يقدرون:
وهنالك البعض يعلم أن التغيير مطلوب، ولكنهم غير قادرون على التغيير، ربما يحتاجون إلى مهارات مختلفة أو أدوات جديدة.. يتشبثون بالطرق المعتادة لإنجاز أعمالهم ولا يعرفون طرقا أخرى لتحقيق ما هو مطلوب منهم.
ثالثا وأخيرا: لا يقبلون:
هولاء هم الرافضون عن علم وعن قدرة، يعلمون برغبة روسائهم في التغيير وقادرون على التغيير واستعمال طرق أخرى لتحقيق المطلوب منهم، لكنهم يرفضون التغيير.. الأسباب تتفاوت من خوف من فقد النفوذ إلى اختلاف مبدئي يرفض الأسباب والمنطق الذي يدعو إلى التغيير من الأصل.
التعامل مع الثلاث نقاط أعلاه غاية في الأهمية لإحداث وتفعيل التغيير المطلوب.. من لا يعلم نخبره بحتمية التغيير ونحاول أن نصل إليه عقليا بالأسباب التي تجعلنا نطلب التغيير.. من لا يقدر نقوم بتدريبه وتعليمه ونقدم له الآليات المطلوبة لتفعيل التغيير المطلوب، وأخيرا من لا يريد هو الأسهل، هذا نتخلص منه.. البعض لا يريد لأنه لا يعلم أسباب التغيير، وهذا قمنا بعلاجه في النقطة الأولى، والبعض لا يريد لأن لديه قناعة بداخله أنه لن يتمكن من القيام بدوره، وهنا النقطة الثانية وهي التعليم والآليات البديلة، ويتبقى في النقطة الأخيرة من لا يريد ويرفض التغيير مبدئيا، هؤلاء هم أعداء التغيير ولا جدوى في المحاولة معهم بغض النظر عن أسبابهم.
القضاء على التعذيب هو تغيير منهجي واسع يتطلب التعامل الجاد مع الثلاث نقاط.. الدورات التدريبية على حقوق الإنسان والعقوبات ضد ممارسي التعذيب أمور غاية في الأهمية، لكنها ليست كافية، وجود آليات وإمكانيات وأدوات للتحري والتحقيق جزء مهم من محاربة النقطة الثانية. يمكن للرئاسة والبرلمان تقديم مساعدة مهمة للقضاء على التعذيب، وهي تتمثل في التشريع بقانون يلغي القبول بالاعتراف على النفس كدليل، وهو ما نجده في معظم قوانين العالم المتقدم، وإلى أن يقوم المشرع بدوره، من الممكن أن تقوم الشرطة والنيابة بتعديل قواعدهما الداخلية لمنح الأفضلية في الترقيات لمن لم يتعامل مع اعترافات على النفس أو الغير بدون دليل مادي.. الاعتراف ما هو إلا جزء من الأسباب، اقدمه هنا كمثال.
التغيير ليس أمرا سهلا أو بسيطا، ويتطلب الاعتراف بعمق المشكلة وأسبابها وظواهرها وكل النقاط على محور الشر، وربما تبدأ الداخلية بكليات ومعاهد الشرطة المختلفة والتعامل مع العقاب البدني فيها.

 أيمن سعيد عاشور

نشرت هذه المقالة على موقع زائد ١٨ 

No comments:

Post a Comment