Friday, October 23, 2020

الهولوكوست و القانون

كثيرا ما نجد البعض يستخدم وجود قوانين تجريم تكذيب الهولوكوست في فرنسا وعدة دول أخرى في المناقشات المتعلقة بالحريات للمطالبة بوضع حدود للحريات أو لمنع انتقاد الحكومات او المقدسات الدينية. 

ابدء اولا بمعارضتي لهذه القوانين ورضائي بعدم وجودها في امريكا والعديد من الدول الغربية.  المعارضة الاساسية لهذه القوانين بشكل عام مصدرها الحركات التقدمية التي تؤيد حرية النشر والرأي في كل شي. مؤسسات مثل  الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية التي افخر بعضويتها تقف بقوة ضد هذه القوانين وتخوض معارك قضائية للدفاع عن حق النازيين والعنصريين في التعبير عن آرائهم رغم قبحها. 

ولكنني ايضا اتفهم وجهة النظر التي أدت الى  تشريع هذه القوانين. وقبل ان أتعرض للدفاع عن موقف انا شخصيا اعارضه ، يجب ان نتذكر ان هذه القوانين تعبر عن رغبة الشعوب المختلفة و نتذكر ان في الدول الديمقراطية القوانين تعبر عن قيم وأخلاق الشعوب  وليست أمر منفصل عنهم. تغيير وإلغاء هذه القوانين في أيدي الشعوب أنفسهم.

تاريخ العالم مليء بالمذابح وعمليات التطهير العنصري ... لماذا الهولوكوست مختلف؟  


اولا لاستخدام طرق علمية وصناعية وخطط متكاملة ممنهجة في عمليات 
تجميع ونقل وإقامة وابادة اليهود وحتى في عمليات حرق الجثث وازالة الرماد


ثانيا عمليات الابادة الجماعية ضد اليهود كانت شاملة لم تستثني أطفال رضع ولا كبار السن، شملت الغني والفقير، شملت المشاهير من قمم المجتمعات مثل العلماء والموسيقيين ورجال الاعمال ، شملت اليهود الملحدين والمتدينين. 

ثالثا: عمليات الابادة قامت بتدبير وموارد الدولة الألمانية والحكومات التي ساندتها مثل إيطاليا بقيادة موسوليني وحكومة ڤيشي في فرنسا وغيرهم. عمليات الابادة لم تكن شي فردي او حتى خطأ من هيئة ما مثل الجيش ولكن خطط حكومية ممنهجة. 

رابعا: وهذه نقطة في غاية الأهمية وهي تورط الشعوب المختلفة في مساندة عمليات الابادة الجماعية. تورط المواطن العادي في أعمال التمييز والكراهية ضد اليهود وفي بعض الحالات نقرأ كيف كانت حركات المقاومة ضد الاحتلال النازي في روسيا ودول اخرى تطارد جماعات اليهود الفارين من النازي  

الهولوكوست اذن حدث فريد من نوعه ومن الصعب مقارنته بمذابح وعمليات إبادة جماعية أخرى. والهولوكوست نسبيا حدث ليس ببعيد زمنيا، أقلية قليلة جدا من الناجيين لايزالون على قيد الحياة وابناء واحفاد وأقارب ملايين الضحايا لا يزالون يعيشون آثار الهولوكوست الى يومنا هذا. 

القوانين التي تمنع تكذيب او تقليل او تبرير أحداث الهولوكوست تهدف بالاساس الى اعتراف الشعوب والدول بجرائمها حتى لا تنساها. اي محاولة لتكذيب او تقليل او تبرير الهولوكوست ما هي في الحقيقة إلا محاولة غير مباشرة على تحريض جديد على اليهود. تكذيب الهولوكوست ما هو إلا محاولة لخلق غضب ضد اليهود وتحويلهم من ضحايا الى جناة.

من المؤسف انتشار الأكاذيب والمعلومات المغلوطة عن الهولوكوست في مصر رغم الدور العظيم الذي قامت به. لعبت مصر دورا غاية في الأهمية في إنقاذ الآلاف من اليهود من الهولوكوست وكانت الاسكندرية تستقبل اليهود الفارين من اوروبا وقت رفض نيويورك استقبالهم. التاريخ لن ينسي رفض استقبال الولايات المتحدة ليهود وإرجاعهم الى أوروبا والموت الفعلي في حين كانت مصر أمان لهم. الإسكندرية كانت الميناء الوحيد في البحر المتوسط المفتوح أمام اليهود، واحد من أربع موانئ في العالم فقط يمكن لليهود الهروب إليها. 


ورغم دخول الجيوش الألمانية والإيطالية مصر ووصولها الى العلمين ورغم الغارات الألمانية على الاسكندرية لا نجد اي دليل على ان الشعب المصري تورط في عمليات كراهية ضد اليهود في الاسكندرية المدينة ذات اعلى تعداد يهودي في مصر. 

التعليم هو الحل الذي افضله وتفضله العديد من منظمات الدفاع عن الحريات لمواجهة محاولات تكذيب تاريخ الهولوكوست. ويبقى فهم ان السبب الاساسي لتكذيب الهولوكوست هو التحريض ولهذا اتفهم وجود القوانين المختلفة رغم معارضتي لها 

No comments: