Monday, February 15, 2016

الشفافية و الاقتصاد و التخمين: الشفافية المفقودة في الاقتصاد المصري و فشل النظام في تسويق و بيع سياسته

غياب الديمقراطية و الشافية غاية في الوضوح في التعامل مع الأمور الاقتصادية في مصر. السياسة العليا للبنك المركزي و الدولة تجري في ظلام دامس و نحاول ان نستشف المنطق من الأفعال و القرارات ، و ما الذي يدفع الدولة الي تبني السياسات المختلفة. وضع عجيب الصراحة!

المشاكل الاقتصادية التي تواجها مصر واضحة تماما:،
- شحة الاستثمار الخارجي في مصر
- تدهور استثمارات المصريين في مصر
- انهيار السياحة في عدة دول و مصر بالذات بعد كارثة الطائرة الروسية و سفاري المكسيكيين في الصحراء.
-،تدهور سعر البترول و الاستغناء عن نسب متزايدة من العمالة الأجنبية بما فيها المصرية من دول الخليج.
-،صعوبة الحصول على منح اقتصادية من دول الخليج نتيجة العجز الاقتصادي الذي تواجه هذه الدول من انهيار سعر البترول.
- وأخيرا زيادة سعر الدولار الامريكي امام الغالبية العظمي من عملات العالم و هو بالتالي يعني زيادة قيمة الجنية المصري امام عملات مثل اليورو و الاسترليني و مختلف العملات الحرة و هو ما يضعف الوضع التنافسي للمنتجات المصرية.

تختلف الاّراء عن مسؤلية النظام المصري عن المشاكل أعلاه و لكن بغض النظر عن أسباب المشاكل فهذه المشاكل الصعبة هي الحقيقة أمامنا. في الدول الديمقراطية التي تتمتع بوجود الرأي و الرأي المعارض نجد مناظرات في البرلمان و وسائل الاعلام المختلفة و محاولات مستمرة لاقناع الشعب بالحلول المختلفة ... ولكن ليس في مصر .. هنا نجد قرارات نقدية و اقتصادية بدون عملية بيع و تسويق للأفكار و حتى العديد من اجهزة الدولة نفسها لا تعلم بأسباب القرارات. ثقافة بيع و تسويق الحلول الاقتصادية مفقودة تماما.

نستشف من الأحداث حولنا ان الاولوية لدى البنك المركزي هي الحد من التضخم. زيادة الأسعار تحدث لا محالة و لكن البنك المركزي يعمل بكل الوسائل المختلفة لمحاربة معدلات الزيادة. اذا توقف البنك المركزي عن القيود المختلفة لحماية الجنية المصرية قد نري سعر الدولار يقارب ضعف ما هو عليه الان في شهور قليلة كما حدث مع دول جنوب شرق اسيا في اخر تسعينات القرن الماضي. و هنا يمكن ان نتحدث عن نجاح نسبي و ليس مطلق. اعتقد ان صانعي القرار في البنك المركزي يعلمون تماما ان القيود المختلفة تؤثر على الصادرات و تخنق  الاستثمار الداخلي و الخارجي و لكنهم يَرَوْن ان هذا ثمن مقبول للدفاع عن الجنية المصري للحد من زيادة الأسعار.

نترك السياسة النقدية و ننظر الي السياسة الاقتصادية و هنا نجد ان الدولة وصلت الى قناعة و هي  ان غياب السياحة و الاستثمار الخارجي سيتسمر الى اجل غير مسمي. و هنا القرار الذي يبدوا ان الدولة اتخذته هو اللجوء الى المشاريع الكبري. المشاريع الكبري التي تقودها الدولة اغلبها في البنية التحتية و الهدف منها هو ضخ السيولة في الاقتصاد أولاء و ثانيا فوائد تحسين البنية التحتية عندما تعود السياحة و يعود الاستثمار. إذن ستعتمد الدولة على المشاريع الحكومية بالاساس لتحقيق قدر كافي من النمو الاقتصادي. سرعة المشاريع و ضخ السيولة غاية في الاهمية حتى لا بعود الاقتصاد الي فترة ركود مشابهة لفترة نهاية ٢٠١٣.

كيف ستقوم الدولة بتحقيق مشروعها الاقتصادي أعلاه، نصل الان الى السياسة المالية للدولة و هي تعتمد بالاساس على زيادة العجز في الميزانية و العمل على زيادة الموارد الضريبية و تقليل النفقات الحكومية الغير استثمارية مثل الدعم و الهيكل الوظيفي الضخم.

لا اعرف اذا ما توصلت اليه أعلاه هو فعلا أركان السياسة الاقتصادية التي يعتمد عليها النظام ام لا. غياب الديمقراطية و صراع الأفكار الاقتصادية بشفافية يجعلني اعتمد على التخمين حتى أتوصل الى فكر الحكومة.

لو ما كتبت أعلاه فعلا حقيقيا يبدو ان هنالك تقدم محدود، الاحتياطي النقدي في زيادة محدودة للشهر الرابع على التوالي، الاقتصاد لا يزال في نمو مستمر رغم انخفاض معدلات النمو بعد ان كانت على وشك الوصول الى ٥٪.

الكارثة ان الدولة لا تصارح الشعب و تتعامل معه بابوية و سلطوية و لذا يتعرض النظام الى هجوم مستمر في سياسته الاقتصادية. الكارثة ايضا ان معظم وزرات الدولة و اجهزتها مثلها مثل الشعب، تجهل الخطة الاقتصادية و لذا، على سبيل المثال، نجد محاولات دفاع مستميتة عن جدوى مشروع قناة السويس في ذاته. الأرقام لا تكذب على مستوي المايكرو او المشروع نفسه لم توجد مبررات اقتصادية كافية للمشروع و حتى اذا كان المشروع من الممكن ان يحقق جدوي اقتصادية اذا تم عمله بسعر منخفض و على فترة طويلة تتناسب مع الاحتياجات الفعلية له. و لكن الحقيقة ان المشروع نجح على مستوى الماكرو اذا كان هذا هو الهدف فعلا:،تحريك الاقتصاد من الركود و رفع معدلات النمو الاقتصادي. التطبيل الفارغ اساء و لم يساند.

رئيس الوزراء، مجموعته الاقتصادية و المالية و البنك المركزي يتحدثون مع البنك الدولي و صندوق النقد و مع المسؤلين في الدول المختلفة و لكن كلهم صامتون تماما عن اي مصارحة اقتصادية مع الشعب نفسه و حتى مع باقي زملائهم في الحكومة. صمت كارثي يجعل النظام باستمرار في وضع الدفاع عن نفسه و سياساته.

طبعا هنالك احتمال ان قرأتي للسياسة النقدية و الاقتصادية و المالية أعلاه يكون خاطئ تمام وان الصورة المتناسقة التي قدمتها أعلاه هي خيال من دماغي و هنا تكون الكارثة اكبر.  

أيمن سعيد عاشور

نشرت هذه المقالة في موقع زائد ١٨

Tuesday, February 09, 2016

التعذيب و محور الشر

تتفشى ثقافة العنف في مصر. العنف موجود في التعامل مع الأطفال في البيت والشارع والمدرسة والملعب، العنف موجود في المظاهرات السلمية وغير السلمية.. العنف موجود في أفلامنا وأغانينا، لكن رغم تغلل العنف في المجتمع، هنالك رفض واسع  لممارسته من قبل الدولة. التعذيب كان ولا يزال من أكبر أسباب غضب الشعب المصري، وربما كانت سلخانة التعذيب في ليلة الاتحادية  ٥ ديسمبر ٢٠١٢ هي نقطة التحول الأهم والمحرك الأكبر في انقلاب الشعب المصري على الإخوان المسلمين ونظامهم.
اصدق أن هنالك رغبة حقيقية من النظام المصري  للتخلص  أو على الأقل الحد من التعذيب والعنف في تعامل الشرطة وأجهزة الأمن مع المواطنين.. اتذكر حديث وزير الداخلية، منذ أكثر من عامين قبل توليه منصبه، في برنامج تلفزيوني عن دورات تدريب تقوم بها الوزارة عن حقوق الإنسان، تحدث باستفاضة وباستخدام ألفاظ علمية حديثة عن برامج كان يقودها عندئذ كمساعد لوزير الداخلية.. التخلص من التعذيب يعني تغييرا واسعا في منظومة ضخمة تحتكر قانونيا آليات العنف في ومن مجتمع يستعمل ويقبل العنف: النجاح في إحداث التغيير المطلوب يتطلب الكثير.
فكرة التغيير والنجاح في التغيير غاية في الأهمية في إدارة الأعمال، توجد كورسات عن إدارة التغيير change management وكتابات عديدة عن فكرة التغيير نفسها.
في مادة دمج وشراء الشركات التي أقوم بتدريسها منذ سنوات، جزء عن  التغيير وآلياته والعقبات التي يواجها من يسعى له.. مقاومة التغيير تشكل أحد أهم الأسباب لفشل مشاريع دمج شركات، ونرى أمامنا أمثلة عديدة: فشل دمج شركة كرايزلر الأمريكية مع  شركة  دايملر بنز الألمانية، ومثال آخر شهير في التكنولوجيا والإعلام  لشركتين أمريكتين، وهما إيه أو إل AOL وشركة تايم وارنر.
“التغير هو كإزالة شريط بلاستر لازق على جلد الإنسان، حدث صعب ومؤلم.. بطيء ومؤلم أو سريع ومؤلم” هذا المثال هو أحد الكليشهات حول صعوبة التغيير، يعبر بدقة عن طبيعة البشر.. التغيير صعب ومؤلم كإزالة البلاستر: change is painful, fast and painful or slow and painful. بعد استخدام جورج بوش لتعبير محور الشر أو Axis of evil ابتدعت استخدام التعبير ذاته لشرح طرق مقاومة التغيير وكيفية التعامل معها لطلابي.. يتكون محور الشر كما أقدمه من ثلاث نقاط:
أولا: لا يعلمون:
هنالك البعض قادرون على التغيير، ولكنهم لا يعلمون أن التغيير حقيقة مطلوبة وأن هنالك حاجة جادة للتغيير.. يقاومون التغيير لأنهم لم يصدقوا أو يفهموا أنه فعلا مطلوب.
ثانيا: لا يقدرون:
وهنالك البعض يعلم أن التغيير مطلوب، ولكنهم غير قادرون على التغيير، ربما يحتاجون إلى مهارات مختلفة أو أدوات جديدة.. يتشبثون بالطرق المعتادة لإنجاز أعمالهم ولا يعرفون طرقا أخرى لتحقيق ما هو مطلوب منهم.
ثالثا وأخيرا: لا يقبلون:
هولاء هم الرافضون عن علم وعن قدرة، يعلمون برغبة روسائهم في التغيير وقادرون على التغيير واستعمال طرق أخرى لتحقيق المطلوب منهم، لكنهم يرفضون التغيير.. الأسباب تتفاوت من خوف من فقد النفوذ إلى اختلاف مبدئي يرفض الأسباب والمنطق الذي يدعو إلى التغيير من الأصل.
التعامل مع الثلاث نقاط أعلاه غاية في الأهمية لإحداث وتفعيل التغيير المطلوب.. من لا يعلم نخبره بحتمية التغيير ونحاول أن نصل إليه عقليا بالأسباب التي تجعلنا نطلب التغيير.. من لا يقدر نقوم بتدريبه وتعليمه ونقدم له الآليات المطلوبة لتفعيل التغيير المطلوب، وأخيرا من لا يريد هو الأسهل، هذا نتخلص منه.. البعض لا يريد لأنه لا يعلم أسباب التغيير، وهذا قمنا بعلاجه في النقطة الأولى، والبعض لا يريد لأن لديه قناعة بداخله أنه لن يتمكن من القيام بدوره، وهنا النقطة الثانية وهي التعليم والآليات البديلة، ويتبقى في النقطة الأخيرة من لا يريد ويرفض التغيير مبدئيا، هؤلاء هم أعداء التغيير ولا جدوى في المحاولة معهم بغض النظر عن أسبابهم.
القضاء على التعذيب هو تغيير منهجي واسع يتطلب التعامل الجاد مع الثلاث نقاط.. الدورات التدريبية على حقوق الإنسان والعقوبات ضد ممارسي التعذيب أمور غاية في الأهمية، لكنها ليست كافية، وجود آليات وإمكانيات وأدوات للتحري والتحقيق جزء مهم من محاربة النقطة الثانية. يمكن للرئاسة والبرلمان تقديم مساعدة مهمة للقضاء على التعذيب، وهي تتمثل في التشريع بقانون يلغي القبول بالاعتراف على النفس كدليل، وهو ما نجده في معظم قوانين العالم المتقدم، وإلى أن يقوم المشرع بدوره، من الممكن أن تقوم الشرطة والنيابة بتعديل قواعدهما الداخلية لمنح الأفضلية في الترقيات لمن لم يتعامل مع اعترافات على النفس أو الغير بدون دليل مادي.. الاعتراف ما هو إلا جزء من الأسباب، اقدمه هنا كمثال.
التغيير ليس أمرا سهلا أو بسيطا، ويتطلب الاعتراف بعمق المشكلة وأسبابها وظواهرها وكل النقاط على محور الشر، وربما تبدأ الداخلية بكليات ومعاهد الشرطة المختلفة والتعامل مع العقاب البدني فيها.

 أيمن سعيد عاشور

نشرت هذه المقالة على موقع زائد ١٨