Friday, September 25, 2015

الهجرة .. بين الحلم و الكابوس

الهجرة و الخروج من مصر هم الحلم الكبير لملايين او على الاقل مئات الالاف من شباب مصر. الاسباب في الرغبة في الهجرة من قرأتي على الفيسبوك و من حواري مع العديد من الأصدقاء متباينة و لكنها تنحصر في واحد او اكثر من الاسباب الآتية: 

١. الوضع الاقتصادي و صعوبة الحصول على عمل مناسب و القدرة على تحقيق طموحات مادية 

٢. مناخ القمع و الحريات السياسية و الديمقراطية المفقودة.

٣. العلاقة مع المجتمع و الرغبة في البعد عن عادات و تقاليد المجتمع و ايضا ما يراه البعض من تخلف اجتماعي و أمراض متفشية في المجتمع. 

٤. الرغبة في الحصول على جنسية اخري. جواز سفر اجنبي يسهل الحركة و السفر و يعطينا نوع من التأمين على المستقبل

ربما يكون للبعض اسباب اخرى و لكني اعتقد ان دواعي الغالبية العظمى للهجرة تنحصر في الاسباب اعلاه. 

الهجرة تختلف عن العمل بالخارج لعدة سنوات لتحقيق أهداف اقتصادية معينة مثل شراء شقة أو سيارة او تأمين المستقبل. في تلك الحالات يري الانسان نفسه في مصر و يبني حياته في مصر و لكنه لا يسعي الى ترك مصر. السفر للخارج مؤقت لأغراض أساسا مادية. لن أتعرض للسفر الموقت لبلاد الخليج و غيرها. و هنا أبدء بأول النقاط التى اريد ان اتعرض لها و هي وضوح الهدف و قبول فكرة ان الأهداف تتغير مع الوقت. 

عندما تحصل على الجنسية الامريكية و تقسم الولاء للولايات المتحدة فأنت قانونا تتمتع بالعديد من المزايا كمواطن أمريكي و لكن عليك ايضا العديد من المسؤوليات. و حتى في الدول التي لا تستخدم قسم الولاء هنالك قبول ضمني بمسؤوليات المواطنة. في امريكا ستجد نفسك و اولادك معرضين للتجنيد الإجباري في حالة حرب ( حتى قبل الحصول على الجنسية) و ستجد نفسك كأمريكي مسؤول عن ماضي امريكا. كما تتمتع اليوم بمزايا امريكا فأنت ايضا مسؤول عن جرائمها التاريخية و محاولة الدولة و المجتمع تصحيح اخطاء الماضي. الكذب في امريكا جريمة و ليست مجرد جنحة يعاقب عليها القانون. 

قبل ان تترك مصر للهجرة لأسباب سياسية او اجتماعية عليك ان تدرس الوضع السياسي و الاجتماعي في مقصدك. كثيرا ما اسمع "انا عايز اطفش من هنا و خلاص" و غالبا تكون تلك العبارة مؤشر للفشل. احيانا "اطفش من هنا" ما هي الا غضب من النفس و نحاول ان نجد شماعة خارجية له ، مصر ، الأهل، مشاكل عاطفية الخ. 

الكثير يعتقد انه سيكون قادر على انتقاء ما يريد من المجتمع حوله و الحفاظ على هويته و دينه و طريقة حياته بعد الهجرة. و لذا نجد الكثير من المصريين الذين هربوا قرفا من المجتمع المصري يحيطون أنفسهم بالمجتمع نفسه بعد الهجرة. المسجد او الكنيسة يصبح مركز أساسي للحياة الاجتماعية و بالذات مع وجود أطفال. قضيت ما يقرب من الأربعون عام خارج مصر و رأيت أمثلة عديدة هاجروا هربا من المجتمع المصري و سعيا للحريات المتاحة في امريكا يبذلون جهد عظيم لمحاربة الحريات حولهم و لإعادة خلق مجتمع مصري حولهم. 

قرات احصائية نشرت بعد سنتين او ثلاثة من ١١ سبتمبر ٢٠٠١ ان حالات المرض النفسي زادت كثيرا في شباب العرب و المسلمين الامريكين و فاقت المتوسط العام في امريكا. اعتقادي الشخصي ان هذا نتيجة الانفصام الذي يعيشه العديد من المهاجرين. يجد الصغار أنفسهم في مناخ غريب، الأب و الام الذين هاجروا الى امريكا ساخطون على المجتمع حولهم و لكن لا يرغبون في العودة الى بلدهم. و المساجد في امريكا عادة هي ملجا للمهاجرين الجدد، الغالبية العظمى من المتطوعين للتدريس و العاملين بالمساجد من حديثي القدوم و لذا ستجد اولادك يتعرضون الى منهج ديني ربما لا يناسبك ومختلف عن ما نشئت انت عليه. رأيت حالات عديدة على مر السنين من الأبناء يتشبعون اسلام متشدد اعتبره انا شخصيا متطرف على عكس اهاليهم. 

مع وصول الأبناء الى سن المراهقة يبدء التحدي الكبير و الكوارث المحتملة في نظر البعض. ابنة الثالثة عشر الواقعة في غرام صديق و ال crush و ابنة الخامسة العشر التي تعلن ان لديها بويفرند و الابن الذي يشهر مثليته و هنا تبدء الأسر التي هاجرت الى الغرب العودة الي الشرق لتجنب وقوع كوارث أسرية. في مصر، الضرب و الحرمان من الخروج هي وسائل التعامل مع تلك المشاكل و لكن الغرب و حرياته المنشودة يعطي الطفل و المراهق حقوق لا توجد في مصر. رأيت بيعني الابنة التي أعلنت لأسرتها انها حامل و هي في ما يقابل الثانوية العامة و رأيت الابن الداعشي الذي ألقي القبض عليه بعد ان وقع في مصيدة خبيثة نصبتها له الاف بي اي و كذلك رأيت الشاب المثلي الذي جهر بمثليته و اصبح ناشط من سن صغير و كل تلك الأمثلة من أسر محافظة تقليدية. اتذكر صديقي القبطي المصري و كان من النشطاء الاقباط الذين هاجموا الاسلام و المسلمين بعنف و شراسة بعد ال ٩/١١ و رغم ان معاملاته الشخصية معي و مجاملته لي في الأعياد كان غاية في الذوق و الجمال الا انه كان فعلا متطرف، حصلت ابنته على بكالوريوس حقوق في جامعة أمريكية كبري و أصبحت محامية حقوق إنسان تدافع بالأخص عن المسلمين. 

لا احاول اثناء اي إنسان عن تحقيق حلمه و ما يسعى اليه و لكن رسالتي هي الاتي: أتقبل تماما أسبابك للرغبة في ترك مصر و لكن عليك ايضا ان تدرس بعمق و صدق مع النفس البلد الذي تريد الهجرة اليه. انت على وشك اتخاذ قرار مصيري و لا يمكن ان تبني قرارك فقط على ما تكره و ما تريد ان تتجنب، يتعين عليك ان تقرر اذا كان المجتمع الغربي و الحريات في الغرب هو ما تريد حقا. الحفاظ على تقاليدك و دينك ممكن و له ثمن كبير و لكن الحفاظ على التقاليد و الدين مع اولادك و اولادهم غاية في الصعوبة و انظر الى المهاجرين من الدول المختلفة عبر التاريخ العادات و التقاليد تتلاشى و العلاقات مع  الأهل تضعف ثم تنتهي. 

اذا كانت رغبتك الهجرة الموقتة لأغراض اقتصادية او للحصول على جواز سفر يجب ان تكون واضح مع نفسك و ان تدرس الثمن الذي ستدفعه بوضوح و بشفافية مع نفسك. 

سمعت من الممثل الامريكي مايكل كاين في حوار في أوائل الثمانينات جملة أعيش بها حياتي الي يومنا هذا " عندما اجد نفسي على فراش الموت و انظر الي حياتي لن احزن انني فشلت في شيي ما و لكن ندمي و حزني الأكبر سيكون على ما لم افعل" 

أيمن سعيد عاشور 

Tuesday, September 15, 2015

الثورة و الكفته

ربما كان اللواء الدكتور عبد العاطي و لايزال حقيقة مؤمنا باختراعاته و طرقه في العلاج. صدقه البعض من  المرضى و أهاليهم لانه اعطاهم بريق من الأمل في الشفاء و البعض صدقه لان الجيش المصري و قيادته وقف بقوة خلف مشروعه. انعدمت الاخبار ولم نعد نسمع عنه و لم و لن نقراء اي خبر عن محاسبة اي مسئول عن اهدار أموال الدولة في مشروع غاية في الغرابة، مشروع طبي يجري تحت إشراف هيئة هندسية! 

كانت، بطبيعة الحال، التيارات الثورية من اكثر من وجه النقد لمشروع الكفته و سخر منه، و لكن من المؤسف ان التيارات الثورية تعاني من الكثير من المشاكل التي نراها في مشروع الكفته.

الثورة مستمرة 
بكره الثورة تشيل ما تخلي
موجة ثورية قادمة
حتمية الثورة

شعارات جميلة براقة يصدقها من يشتدق بها و يرددها و لكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس ان الثورة منذ يومها فاشلة فشل مشروع الكفته. قامت الثورة بتحالف بين فريقين، فريق "الشعب يريد إسقاط النظام" و لكنه غير قادر على التوافق على النظام البديل و فريق اخر يريد بناء دولة سلطوية بشعار الرجوع الي الاسلام. النشوة الثورية و التفائل الذي نتج عن المشاركة العاطفية في ال ١٨ يوم و ما لحقهم تجعل تقييم احداث الثورة غاية في الصعوبة عند الأغلبية العظمي. التفائل الجماعي، قدرة المواطن الضعيف في مشاركته مع آلاف و ملايين مثله على هز عرش مبارك و إرغامه على الرحيل. ليس من السهل التجرد من العاطفة و الشعور بتحقيق الذات الذي عاشه الثوار، بل هو امر شديد الصعوبة. 

اتذكر كتاب للصحفي الأمريكي الشهير كريس هيدجيز كتبه بعد تغطيته للعديد من الحروب اسمه War Is A Force That Gives Us Meaning او الحرب تعطي معنى لحياتنا. تحدث هيدجيز عن التغيرات الاجتماعية التي تصاحب الحروب المختلفة. مركزية الحرب في الحياة رغم قسوتها تعالج الفراغ المعنوي او العاطفي الذي يعاني منه البعض و تفرغ الطاقة في عمل جماعي غاية في الأهمية، مصيري.

انظر الان الي من يرفض الاعتراف بفشل الثورة و اجد فكرة هيدجيز امامي. الثورة أشغلت فراغ ذهني و عاطفي، العمل الجماعي و الشعور ان لحياة إنسان ما معنى لم يكن موجود قبل ٢٥ يناير هي العوامل الاساسية في رفض الاعتراف ان الثورة ولدت ميتة. غضب العديد من الأصدقاء من كتاباتي غضب شديد و تفسيري لهذا الغضب انه نتيجة لان انتقاد الثورة و ما حل بها، في اعينهم، كان هجوم مباشر على أشخاصهم هم التي تستمد معنى من الثورة التي وصمتها بالفشل. هجومي و انتقادي لفكرة تحول الي انتقاد شخصي جارح في اعينهم. 

تستمر عقلية الكفته في احتلال موقع هام في وجدان العديد من الثوار، قراءة سريعة لكتابات الاشتراكيين الثوريين تضع أمامنا رغبتهم في العودة الي تحالف ٢٥ يناير مرة اخري. فشلهم في مواجهة اسباب الفشل الأصلي تسوقهم الي الرغبة في العودة اليه. كيف يقوم تيار يسمي نفسه ثوري بالدعوة الي التحالف مع تيار هدفه الأوحد هو "الرجوع". التقدمية و الرجعية تحالف طبيعي جدا اذا كنت مثل قادة الدولة الذي تنتقدهم ، غير قادر على الاعتراف بالفشل و غير قادر على الاعتذار. اعلم تماما ان الاشتراكيين الثوريين أقلية و لكن لهم تأثير كبير على باقي تيارات اليسار المصري. 

تعاقدت الدولة مع شركة أمريكية اخترعت دواء حقيقي لمعالجة الڤيروس سي و حاولت ان تطوي صفحة اللواء الدكتور. الدولة المصرية غير قادرة على الاعتراف العلني بالفشل و الاعتذار، و لكنها قادرة على تغيير الطريق تماما. الدولة قامت بالتعاقد على السوفالدي لمصلحة الشعب رغم ان وجود السوفالدي و انشغال وزارة الصحة به اساء من صورة أنصار مشروع اللواء الدكتور. و هنا أقع في خلاف ضخم مع الثوار، العديد منهم لايزال يتمني سقوط و فشل نظام السيسي لان هذا في نظرهم سيعجل بالثورة الحقيقة التي ستقوم بحل مشاكل مصر!

الدولة العقيمة السلطوية قادرة على تقبل فكرة انها غلط و تعكس مسارها .. و لكن الثورة التي تدعي انها تمثل الشعب و اول كلمة في شعارها عيش لا تبالي بما يعني سقوط النظام. الثوار دون الاشتراكيون الثوريون يرفضون التحالف مع الاخوان و لكن كما كان الوضع في ٢٥ يناير يرون ان في إسقاط النظام تحقيقا لأهدافهم. و لان الشعب في الحقيقة لا يريد إسقاط النظام العديد من الثوار ساخط من الشعب الذي يدعي انه يقوم بما يقوم من اجله. بدل من مراجعة النفس ينشغل الثوار في معارك النقاء الثوري.

اتخيل تماما اللواء الدكتور جالس في منزله و يقول لنفسه "لو ادوني فرصة شهرين كمان...." و اقراء شعارات الثورة مستمرة. الثورة الحقيقة هي في مواجهة النفس بالحقيقة و التعلم منها و التحرك المستقبلي بطرق إيجابية. 

كلما اكتب انتقاد للثورة يقوم البعض باستغلال ما اكتب و لذا انهي هذا المقال الطويل بفكرة إيجابية عن ما اتمني انا لمصر. إيماني تام  وكامل بالمساوة المطلقة و الغير مشروطة بين كل مواطن مصري بغض النظر عن الجنس، العنصر، الدين او اللا دين، الميول الجنسية و بغض النظر حتى عن ولاءه لمصر. استخدم  كلمة ثوار فيما اعلاه تجاوزا، لان من لايؤمن بالمساوة المطلقة في رايي ابعد ما يكون عن الثورة الحقيقة. 

اريد ان اري مصر دولة مدنية ديمقراطية، لديها دستور بسيط و قصير و وواضح، دستور توافقي يسمح للتيارات الاسلامية بالمشاركة الكاملة. ارغب في حزف كلمة الشريعة الاسلامية من الدستور تماما و لكنني لا أعارض في وضع قوانين تكون مشتقة من اساس إسلامي. ارغب في العمل للمصالحة الاجتماعية الحقيقة و ارغب في تقوية و تصغيير حجم الجيش و خروجه الكامل من النشاط الاقتصادي بما فيه الأنشطة المغذية للجيش نفسه. أعارض النطام الحالي بشده و أشك في قدرته على النجاح لغياب الشفافيه و العودة الي طريقة الأنظمة الشمولية، و لكنني لا ارغب في فشله و اريد نجاحة و كما انتقده اشيد به عندما ينجز.