Friday, October 09, 2015

٩ أكتوبر، ماما و الزهايمر


فارقت أمي رحمة الله عليها عالمنا نهائيا في يونية ٢٠١٣ و لكنها في الحقيقة كانت تعيش وحيدة في عالمها الخاص لعدة سنوات قبل ذلك في ضباب الزهايمر. الزهايمر مرض غاية في الصعوبة و للاسف لا اجد العديد من الكتابات الشخصية عنه بالعربية. الزهايمر يفترس خلايا المخ واحدة بعد الآخري و مع مرور الوقت يتحول الانسان الذي نحبه الي كائن اخر يعيش في نفس الجسد. ظهرت أعراض الزهايمر على أمي بوضوح تام  قبل وفاتها بحوالي الأربع سنوات، في نفس يوم وفاة والدي يرحمه الله. و لكنني اكاد أكون واثق تماما انها بدأت تعاني من هذا المرض اللعين قبل ذلك اليوم الحزين بحوالي عشرة سنوات. خلال تلك السنوات تحولت شخصيتها من الوداعة و اللطف الى العدوانية و الشك. الشهر الذي عقب وفاة والدي و قبل بداية استعمال المهدئات و أدوية علاج الاكتئاب كان غاية في الصعوبة و كنت قضيت الشهر باكمله معها في مصر و أمريكا. 

وجدت ذاكرتي بعد وفاتها تعود الي ذلك الشهر الصعب و اذا حاولت التفكير في فترات اخري، و جدت نفسي عاجز عن انظر اليها قبل ضبابة الزهايمر. منذ عدة ايام كنت انظر في الرسومات التي قامت بتلوينها كنوع من التسلية قبل وفاتها بعامين تقريبا، سعادتها بالرسم و الألوان كانت كما لو كانت رجعت الي ايام طفولتها، قامت زوجتي بتعليق الرسومات كما كنّا نفعل مع اولادنا في الحضانة و ابتدائي. علامات القدم و البهتان على الألوان تؤلمني لانها تبعد أمي و أيامها عني، و لكني وجدت نفسي لأول مرة منذ سنوات استرجع ذكريات ما قبل الزهايمر، ما قبل الضبابة اللعينة التي اختطفت أحب الناس الي. تحول خوفي من اليوم الذي سانزل فيه تلك الاوراق الباهتة من الحائط الي رحلة جميلة مع الذكريات.


اليوم عيد ميلادها و كنت دائماً حريص على مكالمتنا يوم عيد ميلادها و كانت مكالمتنا قبل الزهايمر دايما تدور حول ما يعني اليوم لي، أقول لها ان اليوم ذكري ميلاد كاتبي المفضل توفيق الحكيم ثم أقول لها انه ذكري تحرير القنطرة في حرب أكتوبر ثم أقول لها " لا طبعا انا عارف انه عيد ميلادك يا ست الكل"، كانت تضحك و تشكرني "انا نسيت و لكن انت لسة فاكر!"

سأحاول ان استمر في استرجاع الماضي قبل الزهايمر و اليوم أتذكرها في أحلى و اجمل صورها و في وداعتها و حنانها و رفقتها... كل سنة و انت طيبة ياحبيبتي يا ست الكل .

No comments: