بدأت نشاطي في المساهمة مع حركة الشركات والمشاريع الشبابية الجديدة في مصر منذ حوالي أربع سنوات بالتطوع في Flat6 Labs فلات سيكس لابس كمساند أو ناصح للشركات الصغيرة في أولى مراحلها. شمل دوري مقابلات فعلية مع الشركة أثناء زياراتي إلى مصر ومكالمة شهرية عن طريق سكايب. الخمس شركات التي قمت بالتطوع معها كانت في أنشطة مختلفة من السينما إلى النشر والتسويق وشركات تكنولوجيا ابتكارية وشركة تكنولوجيا تطبيقية. تابعت هذه الشركات عن قرب منذ نشأتها وتكونت علاقات صداقة مع مؤسسيها.. الجدية والمثابرة والرغبة في النجاح والإصرار الذي رأيتهم في هؤلاء الشباب كانت نقطة تحول هامة في رؤيتي لمصر، رأيت بلدا قادرا على إنتاج شباب خلّاق، حالم وواقعي معا وقادر على التعبير عن نفسه بصور عصرية.
هذه التجربة شجعتني لزيادة نشاطي والالتحاق كعضو في كايرو أنچيلس Cairo Angels . يستخدم تعبير الأنچيل أو الملاك لوصف أوائل المستثمرين في الشركات الحديثة. أكره كلمة أنچيلس لأنها تعطي الانطباع أن المستثمر يقوم بعمل خيري ولكنها ليست كذلك.. الأنچيلس يستثمرون مبالغ محدودة في العديد من الشركات بغرض الربح من هذه الاستثمارات. في معظم الأحوال يبتديء صاحب المشروع بمدخراته هو أو بقروض وهبات من أسرته وأحيانا يحتاج إلى استثمار خارجي وهنا يأتي دور الإنچيلس. في نظر صاحب المشروع المستثمر الغريب عنه الذي يؤمن بمشروعه وبه ويقرر استثمار ٥٠ ألف أو ١٠٠ ألف جنية في مشروعه، بل ويساعده على إقناع مستثمرين آخرين حتى يصل حجم الاستثمار إلى نصف مليون أو مليون أو ٢ مليون جنيه فعلا ملاك بالنسبة له أو لها في هذه المرحلة. أودّ ان أشارك انطباعاتي عن المناخ العام للشركات الحديثة النشأة أو الـ ecosystem بعد حضوري المنتدى السنوي الثاني RiseUp Summit وقرابة عام في مشاركتي في الكايرو أنجيلس. كتبت عن انطباعاتي الإيجابية من قبل ولذا سأركز هنا على انتقادات ونقاط ضعف. لأن في رأيي معالجة نقاط الضعف غاية في الأهمية للاستمرار في التقدم والنمو.
اللغة:لغتي الانجليزية أفضل بمراحل من لغتي العربية، لكن عندما أتحدث مع أصحاب المشاريع أريد أن أعرف أكثر من هم، أريد أن أسمعهم باللهجة المصرية المعتادة حتى إذا كانت لغتهم الإنجليزية ممتازة. في معظم الأحيان تغيير اللغة يشمل تغيير ثقافة وتوقعات، ولكني أبحث عن الدخول في دماغ هذه الإنسانة أو هذا الإنسان واللغة الأجنبية تشكل طبقة إضافية يجب أن نعبرها. اللغة الإنجليزية هامة جدا وإتقان أعداد ضخمة من المصريين والعرب للغات أجنبية ميزة هامة في التنافس العالمي، لكن يجب أن يكون مناخنا هنا في مصر مناخا مصريا وليس كاليفورنيا.. اعلم تماما أن الترجمة الفورية تشكل عبئا ماليا ضخما، ولا انصح به في الـ RiseUp لكن ربما فتح المجال لجلسات باللغات العربية الدارجة سيكون أفضل للجميع. كان من حظي أن استمع إلى مقدمة من صاحب مشروع للنشر الذاتي باللغة العربية “كتبنا” في اليوم السابق للـRiseUp في جلسة لـ Cairo Angels. سألنا الشاب إذا كان التقديم بالعربي مقبولا؟ وقلنا نعم، اختر ما تشاء.. رغم تمكنه من الإنجليزية، لكن شتان بين الثقة التي تحدث بها بالمصرية الدارجة والتقديم الرسمي بالإنجليزية.
دعنا نكون في كاليفورنيا عام ١٩٦٠ أو مصر عام ٢٠١٥!نشأة وتطور بيئة الشركات الحديثة مرت بمراحل عديدة في السيليكون فالي إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم. تطور الشركات من مراحل التمويل الذاتي إلى مرحلة تمويل الملائكة إلى ما يسمى Series A أو مرحلة A وبعدها B و C ، ثم تصل الشركة إلى البورصة أو تباع. عندما اتحدث مع صاحب مشروع ويبدأ بالحديث عن series A وتوقعاته لها، تزداد درجة انتباهي واشعر بنوع من الحذر. الحقيقة أن المناخ في مصر مختلف تماما عن المناخ في كاليفورنيا ورغم النشاط المحدود لشركات venture capital أو الاستثمار الأولي إلا أن الغالبية العظمى من المشروعات الحديثة يتحتم عليها الوصول إلى تحقيق سيولة إيجابية أو cash flow positive بعد مرحلة الانچيلس. في أمريكا وبريطانيا وألمانيا الصورة مختلفة، ولكن حتى ألمانيا التى بدأت متاخرة في تكوين startup ecosystem الشركات الحديثة تعمل بطريقة مناسبة بعالمها وأكثر حذّرا من ما اشاهده في كثير من الأحيان بمصر.
تقييم الشركات:أقوم بتدريس مادة شراء ودمج الشركات في جامعة سافولك في بوسطن منذ ٢٠٠٤ رغم أنني لست أكاديميا، لكن نتيجة خبرتي في شراء عدد يقارب الثلاثمائة شركة لشركات عملت بها، أو أدرتها أو أسستها. وربما يصل رقم الشركات التي تفاوضت معها ولم تتم الصفقة إلى أكثر من الألف.. ارتكبت أخطاء فادحة على مر السنين وتعلمت منها، لكن بشكل عام تكون لدي نوع من التوازن في استخدام طرق تجمع بين الفن والعلم لتقييم الشركات. أتحدث مع العديد من الشباب في مصر وأجد لديهم إما جهل تام بموضوع تقييم الشركات أو فكر مسبق عن تقييم أو تسعير شركاتهم كما لو كانوا في بالوالتو او منلو بارك في سليكون ڤالي في كاليفورنيا.. في بداية النشاط في مصر حدثت بعض التقيمات الخاطئة وهذا حدث قاتل في السوق. أصحاب المشاريع ينظرون إلى السعر الذي أخذه فلان أو علان ويصبح ذلك هو هدفهم.. كارثة!
يتحدث البعض عن استعمال الـ (DCF) Discount Cash Flow كطريقة للتقييم وهي طريقة مثالية، ولكن كما نقول في أمريكا garbage in garbage out بمعنى إذا كانت المعطيات خاطئة فستكون النتيجة أيضا خاطئة.. معطيات الـ DCF وهي طريقة حسابية لتقييم الشركات بناء على السيولة النقدية التي تستهلكها وتنتجها في المستقبل.. الافتراضات المبالغة في الأرباح وفي التوقيت وبطء حركة السوق المصري كلها أسباب للأخطاء وتكون من أهم النقاط الفائدة الافتراضية. توقعات هبوط الجنيه المصري في المستقبل مع معدلات التضخم ونسبة المخاطرة في الاقتصاد قد تدعونا إلى استخدام فائدة افتراضية تتراوح بين الـ ٤٠ و ٦٠٪ على حسب طبيعة المشروع والمنافسة. والـ DCF بالطبع ليس هو الطريقة الوحيدة للتقييم وفي العديد من الأحوال في الشركات الحديثة يشمل نوع من التنجيم.
الالفاظ: نقطة أخيرة وأقل أهمية وتشابة النقطة الأولى، وهي استخدام كلمات السباب بالإنجليزية. بدأت حياتي في أمريكا في مشاريع أنظمة أمن في سجون وقواعد عسكرية ومن يعرفني معرفة وثيقة يعلم تماما أنني من كبار مستخدمي الألفاظ المختلفة بعدة لغات، يعني من الآخر بالنسبة لي عادي تماما، لكن لكل مقام مقال.. عندما كنت اقدم شركتي في وول ستريت وشركات الاستثمار الكبرى والموتمرات الاستثمارية المختلفة، لا وجود إطلاقا لألفاظ خارجة، غير مقبول وغير معتاد. وفي مؤتمرات الـ startup في العديد من الأماكن في أمريكا نفسها خالية تماما من الألفاظ. لكن RiseUp استخدم طريقة بعض المؤتمرات التي تستخدم الألفاظ كجزء من خلع الرسمية وإدخال مناخ عفوي ريلاكسد ومنسجم وبعيد من التكاليف. هذا المناخ مناسب لي شخصيا، ولكنني لاحظت أن تاثيره كان سلبيا للغاية على العديد من المشاركين ومن الجمهور. المناخ أو البيئة ecosystem المصرية أو العربية يجب في رأيي أن تتأثر بكاليفورنيا وهي المعلم والمؤثر الأكبر وأيضا المستثمر، لكن يتحتم علينا العمل على خلق مناخ مناسب لنا في مصر والدول الناطقة بالعربية، وهذا المناخ يجب أن يرحب بمتحدثي العربية مستثمرين كانوا أو أصحاب مشاريع ويجب أن لا يصدمهم ويشعرهم أن الموضوع كله أجانب أو مصريون عاملين نفسهم أجانب.
أكتب هذه الكلمات بروح النقد البناء، بروح المحب الذي يرغب في المساهمة والمساعدة.. عندما ذهبت إلى الإسكندرية لزيارة المكتب الجديد لشركة كريبتيد للبرمجيات Cryptyd وهي أحدث استثمار لـ Cairo Angeles وقابلت الفريق وشاهدت بعض التفاصيل في عملية تطوير ألعاب الموبايل وثقتهم بأنفسهم وحبهم لعملهم، شعرت أنني محظوظ لأنني قادر على المساهمة في تحقيق هذه الأحلام، ولكني شعرت بامتنان عميق لرواد بناء هذا المناخ في مصر.
أيمن سعيد عاشور
نشر هذا المقال اولا في زائد ١٨.
No comments:
Post a Comment