علمتني منى الطحاوي الفرق بين التحرش و العنف الجنسي
علمتني منى الطحاوي ان افرق بين التحرش الجنسي الذي يقوم به البعض في المجتمع و العنف الجنسي الممنهج الذي تقوم به دول او جماعات كأداة لتحقيق أهداف بعينها، كفرض الإرادة او انتزاع الاعترافات بتهديد النساء بالعار و الفضيحة.
قد يكون الدافع الأساسي للتحرش الجنسي هو الرغبة الجنسية من طرف المًُتحرش و لكن العنف الجنسي دافعه الحقيقي ليس جنسي. إنما ما هو الا وسيلة من وسائل التعذيب النفسي و الجسدي احيانا و الشعور بالسلطة و القوة و التباهي امام ذكور أخريين أحيانا أخرى.
يكاد يترامي إلي مسمعي حوار الذكور بعد انتهاء حفلتهم و عودتهم الي القهوة في منطقتهم
عيد: شفتم بقى الحته اللي انا شأطتها لكم النهاردة
محمد: بس انا اللي زنقتها
بقدونس: انا خدتلي افووش ابن حرام
مرسي: بس يا ابن المره انت ما جتش ناحيتها
بقدونس: ازاي دا انا اللي قلعتها ال ..
جلست أفكر في ما كتبت منى الطحاوي و الحوار الخيالي و راجعت في ذهني فيديوهات اخري مثل لحظات القبض علي البير صابر، الشاب الذي اتُهم بازدراء الأديان و ما قرأت و سمعت و شاهدت عن مذبحة الشيعة في الجيزة. فكرت أيضاً في الشتائم المليئة بصور من العنف الجنسي لإثبات القوة و السيطرة على الآخرين؛ و توصلت الي عدة استنتاجات:
١. الداخلية بلطجية حقيقةً ولكن البلطجة تعمقت في الشعب و البلطجة علي الضعيف أصبحت منهج عام.
٢. كراهية و احتقار النفس وباء أصاب الملايين من المصريين و العنف ضد الضعيف ما هو الا انعكاس للشعور بالضعف و العجز.
٣. لا اعتقد ان هناك شعور جنسي حقيقي لهؤلاء الذين يقومون بالاعتداء الجنسي الممنهج كنوع من التعذيب و لا اعتقد ان المشاركين في عمليات العنف الجماعي يتمتعون متعة جنسية و لكنهم يشعرون بنوع من المتعة من شعورهم بالقوة. لعل استمتاعهم بضرب او سب البير صابر لا يختلف كثيراً عن متعتهم من المشاركة في العدوان الجماعي.
٤. لم أقرأ يوما عن محاسبة إنسان واحد منذ عهد جمال عبد الناصر الي الان دفع ثمن تحريضه او اشتراكه في عنف جنسي ضد المواطنين و اعتقد انه لن بجادلني العديد في ان انواع عديدة من العنف الجنسي حدثت.
٥. كتبت و كتب اخرون عن المجتمع الذكوري و نظرة المجتمع للمرأة كأنها كائن اقل من الرجل، ربما اعلي من درجات حيوان أليف و لكن لا يرتقي الي مكانة الرجل. اوؤيد تلك التحليلات و لكني لا اعتقد انها تقدم اجابة كافية لعمليات العنف الجماعي. أتوقع تماماً ان في القريب سنرى و نسمع عن قصص عدوان جنسي جماعي على ذكور و ربما أيضاً أطفال.
٦. الذكورية و استغلال الدين في تبرير الذكورية مع الكبت الجنسي و عدم احترام جسد المرأة تقدم لنا شرح لأسباب التحرش الجنسي و لكن تلك الأسباب قد تكون غير كافية للعنف الجنسي الجماعي.
٧. استغلال الدين و التقاليد في تبرير بعض انواع العنف الجنسي. أتذكر وقوف مصر و عدة دول إسلامية امام اعلان من الامم المتحدة عن حقوق المرأة اعتراضا علي تجريم الاغتصاب في حالة الزواج، قانون مصر يسمح للزوج بفرض نفسه و اغتصاب زوجته بالعنف. الدولة تستعمل العنف الجنسي و تسمح بالعنف الجنسي ضد الزوجة كحق للذكر.
٨. اعتقد ايضا انه هنالك نوع من الكراهية الطبقية و ان الاعتداء على بنات متحررات متعلمات يعطي هؤلاء الذكور متعة مضاعفة، فها هو المشارك يقوم بإملاء إرادته و غزو جسد انسانة تفوقه تعليما و تنتمي الي طبقة اعلي منه، مرة اخري نعود الي كراهية الذات.
٩. الثقافة في مصر و حتي علي مستوي النخبة في أشد الحاجة الي مراجعة الذات وخاصة في مواضيع حقوق الانسان، أتذكر منذ عام او اكثر احد أقاربي من شباب الثورة أراد ان أشاهد فيديو مضحك عن رجل ربما ابله او سكران يتعامل مع الشرطة، لم اجد المشهد مضحك و لكني وجدته مؤلم للغاية. ضحك قريبي الشاب و سخر من امتعاضي. كما قلت في اول استنتاجاتي أعلاه ؛ البلطجة منهج و حتى في اثناء الثورة كما كانت الداخلية بلطجية، كان الثوار ايضا بلطجية و كان الاخوان بلطجية ... البلطجة منهج يجب القضاء عليه، كل في موقعه.
و هنا أتذكر مني الطحاوي و نظريتها ان الثورة في مصر لن تنجح الا اذا بدأت في رؤوسنا نحن، و كان تعبير منى الطحاوي عظيم، فقد قالت ثرنا على حسني مبارك و لكن الثورة الحقيقية هي علي حسني مبارك الذي يقبع داخل رؤوسنا. ثورة علي التسلط و طريقة تفكير أدت بنا الي ما وصلنا له من تردي.
نريد ثورة في عقولنا و وجداننا و ضمائرنا علي البلطجة و علي العنف و كراهية الذات، نريد ثورة علي السلطوية كمنهج حياة، نريد النخبة ان تعيش أفكارها و ما تدعوا اليه. يتحتم علينا مراجعة استخدامنا لكلمة تحرش جنسي لوصف العنف الجنسي ، و معرفة الفروق بينهما قد تساعدنا في فهم كلا من الظاهرتين و هذا الفهم مطلوب لمجابهة الكوارث التي تطالعنا.
أيمن عاشور
١١ يونيه ٢٠١٤
No comments:
Post a Comment