وصف حماس و وكتائب القسام بالمقاومة الفلسطينية إهانة! .. نعم إهانة للقضية الفلسطينية و إهانة لأهل فلسطين الصامدين علي معاناة لا تنتهي. مرحلة المقاومة العسكرية لإسرائيل انتهت من عقود باعتراف اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و قبول التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. حماس وما يسميه البعض المقاومة الفلسطينية ما هم في الحقيقية الا مقاومة ضد قيام الدولة الفلسطينية و شرعية منظمة التحرير كممثل الشعب الفلسطيني.
اليمين الاسرائيلي يري ان مرور الوقت بدون تسوية نهائية للمشكلة يخدم و يساعد اسرائيل في خلق ما يسمى حقائق على الارض، امر واقع جديد يخفض سقف المطالب الفلسطينية. انسحاب شارون من غزة لم يكن يوما انتصار لحماس او لفلسطين و لكنه ما كان الا محاولة للعودة الى مرحلة ما قبل أوسلو، الرجوع عن الاعتراف بمنظمة التحرير كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني؛ كيف تتفاوض اسرائيل مع منظمة التحرير وها هي امام العالم اجمع عاجزةٌ عن السيطرة على ما يحدث في غزة؟ منظمة التحرير لم تعد الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
حماس تقوم جاهدةٌ و عن جهل بدور هام في تحقيق أهداف اليمين الاسرائيلي ، كما قامت قبلها حركات المقاومة الاسلاميةا في العشرينات من القرن الماضي بترجيح كفة الصهيونية المتشددة بعد مذابح اليهود في الخليل و الصفد. كتائب عز الدين القسام اليوم تساعد صهيونية جابونتسكي كما ساعدها القسام نفسه بالقيام بعنف مبني على كراهية الاخر و ليس حرب لتحقيق أهداف بعينها تنتهي بتحقيق تلك الأهداف. الحرب ما هي الا وسيلة لتحقيق اهداف تعجز المفاوضات عن تحقيقها و لكن عند حماس و مؤيديها حالة الحرب نفسها اصبحت هي الهدف، هدف مشترك بينهم و بين الصقور في اسرائيل.
البعض ينادي بتحرير فلسطين من النهر الي البحر و يري ان اسرائيل و الصهيونية سرطان يجب رفضه بكل قوة والي الأبد. ولكن الحقيقة أمامنا ان عدم الاعتراف بحقيقة اسرائيل اليوم و التعايش معها رفاهية و أنانية. لماذا رفاهية؟ لان الشعب الفلسطيني المسكين يستحق الحياة، يستحق حقه في جواز سفر يسمح له بالسفر و الحركة، يستحق حقه في الحصول علي التعليم و العناية الصحية ، يستحق ان يعيش كباقي شعوب الارض، الناس اهم من الارض! نعم أهل فلسطين اهم من ارض فلسطين! في سبعينات القرن الماضي كان الفلسطينيون يتباهون بارتفاع مستوي تعليمهم و ان نسب خريجي الجامعات و حاملي الشهادات العليا تفوق كل الدول العربية، مرت تلك الأيام البعيدة الان، و صار التعليم أزمة حقيقية تواجه أهل فلسطين و معه البطالة والفقر وسوء الرعاية الطبية.
قيام دولة اسرائيل كان نكبة على الانسانية و لم يكن يوما من العدل بشيء، ولكن ما كان قيامه ككيان عنصري تمييزي منافي لقواعد العدالة و الانسانية منذ سبع عقود لا يعني ان إزالته اليوم حتى لو كانت متاحة قد يحقق العدالة المطلوبة. أبناء و احفاد مغتصبي ارض فلسطين غير مسؤولين عن جرائم آبائهم و أجدادهم. حتى اذا كان في إمكان محبي فلسطين اليوم إنهاء اسرائيل ستكون النتيجة بعيدة عن العدالة المنشودة و غير مقبولة من دول العالم. حقيقة يجب ان نتقبلها كاملةًً و هي ان العدالة المطلقة مستحيلة، نحن امام اختيارات شديدة الصعوبة للأسف.اسرائيل اليوم شئنا او ابينا هي الدولة الاقوى عسكرياٌ و الاكثر تقدماٌ في مجالات التكنولوجيا و التعليم و هي ايضاٌ تتمتع بعلاقات قوية مع دول العالم الاكثر اهمية من الولايات المتحدة الي المانيا و من روسيا الي اليابان.
حماس تعترف ان قدراتها العسكرية محدودة و انها لن تستطيع القضاء علي اسرائيل عسكريا و هذا طبعا واضح وضوح الشمس، فما هي أهدافها المعلنة من ما تسمية بالمقاومة؟ حماس تدعي ان قدرتها على الرفض هي الانتصار! قدرتها على منع اسرائيل من فرض إرادتها كاملة هي النجاح! و تجد من يؤيدها في الدول الاسلامية و بلاد اخري. ولكن من يدفع الثمن الباهظ لهذا الناجح الفاشل؟ ماذا حققت انتصارات حماس لأهل فلسطين؟ ماذا حققت لهم من عدالة اجتماعية و حقوق إنسان؟ هل حياة أهل فلسطين في الضفة الغربية مثالية؟ طبعا لا .. فهم يعيشون في معاناة مستمرة من الاحتلال و المستوطنين و قيود على الحركة وبناء بيوتهم الخ الخ. و في نفس الوقت الحركة اليمنية الإسرائيلية الرافضة مبدائياً للسلام تستمر في بناء المستعمرات علي ارض الضفة و تستمر في ابتزاز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للحصول على موارد اقتصادية لدعم ما يسموه بالمستوطنات والطرق التي تؤدي اليها و مرافقها علي حساب أهل الضفة و معاناتهم المستمرة. و لكن رغم كل معاناة اهل الضفة نجد ان وضع غزة اسوء بمراحل!
هل تأييد حماس و المقاومة الفلسطينية يعجل باستقلال فلسطين و قيام دولتها ام يؤخرهم ؟ هذا هو السؤال الأساسي في تحديد ماذا تقاوم تلك المقاومة ! هل تقاوم اسرائيل و هي تعترف يعجزها عن ذلك ام تقاوم فلسطين و هو فعلا ما هي قادرة عليه؟
و نعود بطبيعة الحال الي الحقيقة التاريخية و هي ان اسرائيل قامت على أكذوبة علي ارض سليبة و جرائم حرب اسرائيل منذ الثلاثينيات حتي يومنا هذا تشهد بذلك و لكن الاستسلام للغضب و الكراهية رفاهية وأنانية علي حساب الشعب السجين بين حالة انعدام القدرة علي الحرب و الحل العسكري و انهيار قدرة منظمة التحرير الفلسطينية على تمثيل شعبها لتحقيق حياة أفضل.
اسرائيل باقية، قد ينهار العراق و تتلاشى سوريا والسودان وليبيا كدول وحتي العديد من دول الخليج، و لكن اسرائيل باقية. هذه هي الحقيقة أمامنا، نرفضها اذا شئنا ونأيد حماس والمقاومة و لكن دعنا نتذكر ماذا تقاوم تلك المقاومة ودعنا نتذكر دائما ان الناس و حياتهم و حقوقهم على جزء من الارض اهم من الارض كاملة، نعم أهل فلسطين في دولتهم على ماتبقى من ارض فلسطين اهم من استمرار الحلم بارض فلسطين كاملةٌ مع شعب من اللاجئين والمشرديين!
يجب العمل بكل جهد و جدية لقيام دولة فلسطين في الضفة الغربية و غزة و عاصمتها القدس الشرقية و من يقاوم هذا لا يستحق ان يسمى يوماٌ بالمقاومة الفلسطينية.
أيمن سعيد عاشور
٢٠ يوليو ٢٠١٤