Showing posts with label الاقتصاد. Show all posts
Showing posts with label الاقتصاد. Show all posts

Saturday, November 19, 2016

حتمية المصالحة

في دراسة المفاوضات كطريقة لإنهاء النزاعات وتسوية الخلافات هنالك نظرية اسمها الباتنا. حروف ال BATNA  هي اختصار ل البديل الأفضل عن الحلول التي تأتي بها المفاوضات ( Best Alternative To Negotiated Agreement) . عندما نتحدث عن المصالحة في مصر يجب أن نبحث ما هي البدائل للمصالحة. البديل الأول هو الانتصار الكامل: النزاع بين الأسد و فريسته ينتهي بالانتصار الكامل؛ الأسد يحقق هدفه و الفريسة تنتهي. البديل الثاني هو استمرار النزاع بصور مختلفة ، والبديل الأخير و هو المصالحة أو التسوية.

تواجه فكرة المصالحة في مصر الرفض لعدة أسباب سمعناها مرارا:
١- لا مصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدم
٢- لا مصالحة مع من يدخل الدين في السياسة
٣-  لا مصالحة مع من يؤيد فكر الخلافة والإسلام السياسي و لا مصداقية لهم حتى إذا ادعوا أنهم تخلوا عن هذا الفكر.

دعنا نلقي نظرة سريعة على العالم حولنا، تسوية النزاع الدموي في إيرلندا الشمالية انتهت بالتصالح بين الحكومة البريطانية مع التيارات المتطرفة من البروتستانت من ناحية والجيش الجمهوري الكاثوليكي من ناحية أخرى. منظمات لها أذرع إرهابية ارتكبت جرائم بشعة  نجحت في التصالح في ايرلندا.  في يومنا هذا ننظر إلى العمل الجاد من أجل التصالح بين حكومة كولومبيا ومنظمة الفارك الإرهابية بعد حرب استمرت خمس عقود. وفي مصر نفسها ننظر إلى نهاية الصراع مع إسرائيل بعد أربع حروب سالت فيها دماء عشرات الآلاف ودمرت المدن وشردت مئات الآلاف. فكرة المصالحة بعد الدم ليست جديدة على الإطلاق.

ننظر إلى خلط الدين بالسياسة وهنا نجد أمامنا إسرائيل والأحزاب الدينية والضغوط التي تمارسها مثل منع حافلات النقل يوم السبت ومحاولات التأثير على المجتمع داخليا و السياسة الخارجية. ثم ننظر إلى الهند و نجد حزب BJP القائم على أساس ديني وتاريخ جماعات الهندوس المتطرفة وتغيير أسماء المدن والأعياد الرسمية.  ثم ننظر إلى الولايات المتحدة و دخول المسيحيين الإنجيليين المتشددين في السياسة منذ السبعينات الى يومنا هذا؛  الدولة ذات الدستور الأكثر علمانية في التاريخ لا تصادر حق اتباع الأفكار الدينية المتشددة من المحاولة المستمرة في التأثير على السياسة و على تمرير قوانين منبعها الأساسي هو العقيدة الدينية. منع الأحزاب الدينية فكرة غريبة لا صلة لها بالديمقراطية ولا بالعلمانية!

النقطة الأخيرة وهي رفض المصالحة لان الطرف الاخر يعمل من وحي عقائدي ولن يتخلى عن أفكاره السوداء و سيستمر إلى الأبد في المحاولة لفرض ما يرى أنه المشيئة الإلهية. إذا صح هنا فمن المنطق أن نصمم على الإبادة الكاملة، السلام الذي يشعر به الأسد بعد القضاء على فريسته، هو السلام الوحيد الذي نقبله إذن. هل مصر كدولة ترغب في حلول الإبادة الجماعية؟ و إذا رغبت هل هي فعلا قادرة على تنفيذ مثل هذا الحل الدموي المرعب الرهيب؟

إسرائيل تعرقل محاولات الوصول إلى حل نهائي مع الشعب الفلسطيني لأنها نجحت في الوصول إلى باتنا. استمرار النزاع أفضل من أي حل تفاوضي.قد يستمر النزاع لعقود طويلة و لكن ثمنه مقبول لإسرائيل. لماذا تقدم إسرائيل تنازلات ترى أنها قد تعرضها للخطر في المستقبل. الاقتصاد الإسرائيلي ناجح و الدبلوماسية الإسرائيلية حققت نجاح مقبول. الفلسطينيون يحاولون تحقيق تقدم عن طريق انتزاع الباتنا من أسرائيل عن طريق الضغوط السلمية  تارة والعنف تارة أخرى وإسرائيل تعمل على أضعافهم حتى تحافظ على الباتنا. وفي هذا المثال نتحدث عن فكرة التفاوض دون التوغل في قيم العدالة والأحقية.

الإبادة النهائية ،بغض النظر عن المسؤولية الأخلاقية،  ليست متاحة كحل للنزاع مع الإسلام السياسي في مصر. استمرار النزاع لعقود طويلة غاية في الصعوبة نتيجة الثمن الاقتصادي العالي. الخلاف مع الإسلام السياسي في مصر ليس معزول في منطقة جغرافية محددة  ولا في طبقات معينة. الخلاف والاستقطاب موجود في كل مكان في مصر، الخلاف و الاستقطاب موجود حتى في الأسرة الواحدة. مصر في أمس الحاجة إلى الاستثمار المحلي والأجنبي واستمرار النزاع يهدد الاستقرار والاستثمار. عاجلا ام اجلا المصالحة مع التيار الإسلامي في مصر حتمية! و ربما اليوم مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية ومع قرب نهاية داعش تجد الدولة المصرية نفسها في موقف يساعدها على الوصول إلى مصالحة من موقع أفضل من الثلاث سنوات الأخيرة.

ما هي أسس المصالحة ؟

اولا: دستور يتكفل بمبادئ حقوق الانسان طبقا لمعاهدات جنيف و الميثاق الدولي لحقوق الإنسان. و هذا الدستور قد يكون ما يسمى دستور فوقي ولا بأس من ذلك. و يتم تعديل هذا الدستور بموافقة الغالبية العظمى من المواطنين و تكون الغالبية العظمى في كل المحافظات. وعلى سبيل المثال ٧٥٪ او حتى ٩٠٪ في كل المحافظات. إذا صوتت جميع المحافظات بتعديل ما  وفي أسيوط أو جنوب سيناء وصل التصويت لصالح التعديل إلي ٦٠٪  فقط فلا يقبل التعديل.  الدور الأساسي للدستور هو حماية حقوق الأقليات من ديكتاتورية الأغلبية.


ثانيا: علاقة الدين بالدولة: يتم استبدال المادة الثانية بمواد تشير إلى المضمون المطلوب دون الاستعانة بعموم الشريعة الإسلامية. على سبيل المثال يجب وضع قوانين تسمح أو لا تسمح بتعدد الزوجات، قوانين تحدد قواعد الإرث و تسمح أو لا تسمح بالوصايا. و هذا يعني ان نصل الى فكرة قانون وضعي بالكامل بدون الحاجة الى اللجوء الى الفقيه. الإعدام يتطلب مراجعة محكمة عليا  طبقا لأسس قانونية ودستورية وليس موافقة المفتي.
 
المصالحة إذن ليست في الإصرار عن تخلي مؤيدي الاسلام السياسي او الخلافة عن أفكارهم و لكنها تكمن في التوصل إلى خارطة طريق تعطيهم بريق من الأمل، ولو محدود، في تحقيق جزء من أهدافهم بطرق سلمية مع الحفاظ على حقوق الإنسان. الدستور الأمريكي العلماني ،نظريا، يقدم اليوم للإخوان وأنصارهم طريقة ديمقراطية لتطبيق قوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية في أمريكا نفسها عن طريق تشريع قوانين المطابقة للدستور مع الحفاظ على علمانية الدولة. الفكرة الأساسية هي إعلاء نص القانون الوضعي المعاصر المفهوم للجميع بغض النظر عن مصدره. اليوم نجد تيارات التمييز الديني والعنصري في أمريكا تحرض بشدة ضد المسلمين، ولكن رغم قلة عدد المسلمين في أمريكا (حوالي١٪) إلا أن دستور الحريات وحقوق الإنسان يحمي هذه الأقلية الصغيرة من خطر الأغلبية و أي محاولة لتغيير الدستور تستغرق سنوات طويلة وتتطلب موافقة الأغلبية العظمى من المواطنين في كل الولايات.

إذا كان الإخوان و أنصارهم فعلا لا يؤمنون بفكرة  مصر كدولة وثقافة ووطن وشعارهم هو فعلا "طز في مصر" دعنا، رغم رفضنا الكامل لفكرهم، نرحب بهم في العملية السياسية. دعهم يقدمون مشاريع قوانين وإذا أرادوا تعديل الدستور لتقليل الحريات أو حتى لدمج مصر مع تركيا أو غيرها دعنا نقدم خريطة دستورية واضحة وشديدة الصعوبة لتحقيق غايتهم. نحن لا نملك القدرة على تغيير الأفكار و لسنا قادرون على حلول الإبادة النهائية او الاقصاء الأزلي. إذا تمكن الإخوان من الحصول على تأييد ٩٠٪ من الشعب لتغيير اسم مصر او لضمها لتركيا هل من المعقول ان لا يسمح لهم تطبيق سياسة "طز في مصر"؟

كيف نضمن الحفاظ على الدستور؟ مصر دولة ضعيفة المؤسسات و تعاني من نسبة عالية من الأمية السياسية و موروث ضخم من النزعات التمييزية والتسلطية والعصبية. هنا يأتي دور الجيش وباقي مؤسسات الدولة في الحفاظ على الدستور وفِي الحفاظ على قضاء مستقل يحكم بنصوص وضعية.

كيف نضمن الحريات؟ كيف نضمن احترام الدستور؟ هذه كلها أمور غاية في الأهمية و يجب ان تستغل الدولة التحسن في المناخ الدولي في الحصول على الضمانات التي تقلل الشك والقلق. مصر في حاجة إلى تحقيق نسب نمو اقتصادي عالية. الفقر والمعاناة والإقصاء هم  روشتة للتلاعب بعقول البسطاء وغسيل الأمخاخ. مناخ الحرية والتقدم الاقتصادي و التعليم هو أفضل طريقة لضمان الحريات وحقوق الانسان. الإبادة الجماعية مستحيلة، استمرار النزاع يَصْب في صالح من ننازع. المصالحة الاجتماعية والسياسية حتمية و الوقت المناسب هو اليوم قبل الغد.

أيمن سعيد عاشور

Monday, February 15, 2016

الشفافية و الاقتصاد و التخمين: الشفافية المفقودة في الاقتصاد المصري و فشل النظام في تسويق و بيع سياسته

غياب الديمقراطية و الشافية غاية في الوضوح في التعامل مع الأمور الاقتصادية في مصر. السياسة العليا للبنك المركزي و الدولة تجري في ظلام دامس و نحاول ان نستشف المنطق من الأفعال و القرارات ، و ما الذي يدفع الدولة الي تبني السياسات المختلفة. وضع عجيب الصراحة!

المشاكل الاقتصادية التي تواجها مصر واضحة تماما:،
- شحة الاستثمار الخارجي في مصر
- تدهور استثمارات المصريين في مصر
- انهيار السياحة في عدة دول و مصر بالذات بعد كارثة الطائرة الروسية و سفاري المكسيكيين في الصحراء.
-،تدهور سعر البترول و الاستغناء عن نسب متزايدة من العمالة الأجنبية بما فيها المصرية من دول الخليج.
-،صعوبة الحصول على منح اقتصادية من دول الخليج نتيجة العجز الاقتصادي الذي تواجه هذه الدول من انهيار سعر البترول.
- وأخيرا زيادة سعر الدولار الامريكي امام الغالبية العظمي من عملات العالم و هو بالتالي يعني زيادة قيمة الجنية المصري امام عملات مثل اليورو و الاسترليني و مختلف العملات الحرة و هو ما يضعف الوضع التنافسي للمنتجات المصرية.

تختلف الاّراء عن مسؤلية النظام المصري عن المشاكل أعلاه و لكن بغض النظر عن أسباب المشاكل فهذه المشاكل الصعبة هي الحقيقة أمامنا. في الدول الديمقراطية التي تتمتع بوجود الرأي و الرأي المعارض نجد مناظرات في البرلمان و وسائل الاعلام المختلفة و محاولات مستمرة لاقناع الشعب بالحلول المختلفة ... ولكن ليس في مصر .. هنا نجد قرارات نقدية و اقتصادية بدون عملية بيع و تسويق للأفكار و حتى العديد من اجهزة الدولة نفسها لا تعلم بأسباب القرارات. ثقافة بيع و تسويق الحلول الاقتصادية مفقودة تماما.

نستشف من الأحداث حولنا ان الاولوية لدى البنك المركزي هي الحد من التضخم. زيادة الأسعار تحدث لا محالة و لكن البنك المركزي يعمل بكل الوسائل المختلفة لمحاربة معدلات الزيادة. اذا توقف البنك المركزي عن القيود المختلفة لحماية الجنية المصرية قد نري سعر الدولار يقارب ضعف ما هو عليه الان في شهور قليلة كما حدث مع دول جنوب شرق اسيا في اخر تسعينات القرن الماضي. و هنا يمكن ان نتحدث عن نجاح نسبي و ليس مطلق. اعتقد ان صانعي القرار في البنك المركزي يعلمون تماما ان القيود المختلفة تؤثر على الصادرات و تخنق  الاستثمار الداخلي و الخارجي و لكنهم يَرَوْن ان هذا ثمن مقبول للدفاع عن الجنية المصري للحد من زيادة الأسعار.

نترك السياسة النقدية و ننظر الي السياسة الاقتصادية و هنا نجد ان الدولة وصلت الى قناعة و هي  ان غياب السياحة و الاستثمار الخارجي سيتسمر الى اجل غير مسمي. و هنا القرار الذي يبدوا ان الدولة اتخذته هو اللجوء الى المشاريع الكبري. المشاريع الكبري التي تقودها الدولة اغلبها في البنية التحتية و الهدف منها هو ضخ السيولة في الاقتصاد أولاء و ثانيا فوائد تحسين البنية التحتية عندما تعود السياحة و يعود الاستثمار. إذن ستعتمد الدولة على المشاريع الحكومية بالاساس لتحقيق قدر كافي من النمو الاقتصادي. سرعة المشاريع و ضخ السيولة غاية في الاهمية حتى لا بعود الاقتصاد الي فترة ركود مشابهة لفترة نهاية ٢٠١٣.

كيف ستقوم الدولة بتحقيق مشروعها الاقتصادي أعلاه، نصل الان الى السياسة المالية للدولة و هي تعتمد بالاساس على زيادة العجز في الميزانية و العمل على زيادة الموارد الضريبية و تقليل النفقات الحكومية الغير استثمارية مثل الدعم و الهيكل الوظيفي الضخم.

لا اعرف اذا ما توصلت اليه أعلاه هو فعلا أركان السياسة الاقتصادية التي يعتمد عليها النظام ام لا. غياب الديمقراطية و صراع الأفكار الاقتصادية بشفافية يجعلني اعتمد على التخمين حتى أتوصل الى فكر الحكومة.

لو ما كتبت أعلاه فعلا حقيقيا يبدو ان هنالك تقدم محدود، الاحتياطي النقدي في زيادة محدودة للشهر الرابع على التوالي، الاقتصاد لا يزال في نمو مستمر رغم انخفاض معدلات النمو بعد ان كانت على وشك الوصول الى ٥٪.

الكارثة ان الدولة لا تصارح الشعب و تتعامل معه بابوية و سلطوية و لذا يتعرض النظام الى هجوم مستمر في سياسته الاقتصادية. الكارثة ايضا ان معظم وزرات الدولة و اجهزتها مثلها مثل الشعب، تجهل الخطة الاقتصادية و لذا، على سبيل المثال، نجد محاولات دفاع مستميتة عن جدوى مشروع قناة السويس في ذاته. الأرقام لا تكذب على مستوي المايكرو او المشروع نفسه لم توجد مبررات اقتصادية كافية للمشروع و حتى اذا كان المشروع من الممكن ان يحقق جدوي اقتصادية اذا تم عمله بسعر منخفض و على فترة طويلة تتناسب مع الاحتياجات الفعلية له. و لكن الحقيقة ان المشروع نجح على مستوى الماكرو اذا كان هذا هو الهدف فعلا:،تحريك الاقتصاد من الركود و رفع معدلات النمو الاقتصادي. التطبيل الفارغ اساء و لم يساند.

رئيس الوزراء، مجموعته الاقتصادية و المالية و البنك المركزي يتحدثون مع البنك الدولي و صندوق النقد و مع المسؤلين في الدول المختلفة و لكن كلهم صامتون تماما عن اي مصارحة اقتصادية مع الشعب نفسه و حتى مع باقي زملائهم في الحكومة. صمت كارثي يجعل النظام باستمرار في وضع الدفاع عن نفسه و سياساته.

طبعا هنالك احتمال ان قرأتي للسياسة النقدية و الاقتصادية و المالية أعلاه يكون خاطئ تمام وان الصورة المتناسقة التي قدمتها أعلاه هي خيال من دماغي و هنا تكون الكارثة اكبر.  

أيمن سعيد عاشور

نشرت هذه المقالة في موقع زائد ١٨

Sunday, January 10, 2016

عن الشركات الناشئة في مصر و الشرق الأوسط

بدأت نشاطي في المساهمة مع حركة الشركات والمشاريع الشبابية الجديدة في مصر منذ حوالي أربع سنوات بالتطوع في Flat6 Labs فلات سيكس لابس كمساند أو ناصح للشركات الصغيرة في أولى مراحلها. شمل دوري مقابلات فعلية مع الشركة أثناء زياراتي إلى مصر ومكالمة شهرية عن طريق سكايب. الخمس شركات التي قمت بالتطوع معها كانت في أنشطة مختلفة من السينما إلى النشر والتسويق وشركات تكنولوجيا ابتكارية وشركة تكنولوجيا تطبيقية. تابعت هذه الشركات عن قرب منذ نشأتها وتكونت علاقات صداقة مع مؤسسيها.. الجدية والمثابرة والرغبة في النجاح والإصرار الذي رأيتهم في هؤلاء الشباب كانت نقطة تحول هامة في رؤيتي لمصر، رأيت بلدا قادرا على إنتاج شباب خلّاق، حالم وواقعي معا وقادر على التعبير عن نفسه بصور عصرية.


هذه التجربة شجعتني لزيادة نشاطي والالتحاق كعضو في كايرو أنچيلس  Cairo Angels . يستخدم تعبير الأنچيل أو الملاك لوصف أوائل المستثمرين في الشركات الحديثة. أكره كلمة أنچيلس لأنها تعطي الانطباع أن المستثمر يقوم بعمل خيري ولكنها ليست كذلك.. الأنچيلس يستثمرون مبالغ محدودة في العديد من الشركات بغرض الربح من هذه الاستثمارات. في معظم الأحوال يبتديء صاحب المشروع بمدخراته هو أو بقروض وهبات من أسرته وأحيانا يحتاج إلى استثمار خارجي وهنا يأتي دور الإنچيلس. في نظر صاحب المشروع المستثمر الغريب عنه الذي يؤمن بمشروعه وبه ويقرر استثمار ٥٠ ألف أو ١٠٠ ألف جنية في مشروعه، بل ويساعده على إقناع مستثمرين آخرين حتى يصل حجم الاستثمار إلى نصف مليون أو مليون أو ٢ مليون جنيه فعلا ملاك بالنسبة له أو لها في هذه المرحلة. أودّ ان أشارك انطباعاتي عن المناخ العام للشركات الحديثة النشأة أو الـ ecosystem بعد حضوري المنتدى السنوي الثاني RiseUp Summit وقرابة عام في مشاركتي في الكايرو أنجيلس. كتبت عن انطباعاتي الإيجابية من قبل ولذا سأركز هنا على انتقادات ونقاط ضعف. لأن في رأيي معالجة نقاط الضعف غاية في الأهمية للاستمرار في التقدم والنمو.


اللغة:لغتي الانجليزية أفضل بمراحل من لغتي العربية، لكن عندما أتحدث مع أصحاب المشاريع أريد أن أعرف أكثر من هم، أريد أن أسمعهم باللهجة المصرية المعتادة حتى إذا كانت لغتهم الإنجليزية ممتازة. في معظم الأحيان تغيير اللغة يشمل تغيير ثقافة وتوقعات، ولكني أبحث عن الدخول في دماغ هذه الإنسانة أو هذا الإنسان واللغة الأجنبية تشكل طبقة إضافية يجب أن نعبرها. اللغة الإنجليزية هامة جدا وإتقان أعداد ضخمة من المصريين والعرب للغات أجنبية ميزة هامة في التنافس العالمي، لكن يجب أن يكون مناخنا هنا في مصر مناخا مصريا وليس كاليفورنيا.. اعلم تماما أن الترجمة الفورية تشكل عبئا ماليا ضخما، ولا انصح به في الـ RiseUp  لكن ربما فتح المجال لجلسات باللغات العربية الدارجة سيكون أفضل للجميع. كان من حظي أن استمع إلى مقدمة من صاحب مشروع للنشر الذاتي باللغة العربية “كتبنا” في اليوم السابق للـRiseUp  في جلسة لـ Cairo Angels. سألنا الشاب إذا كان التقديم بالعربي مقبولا؟ وقلنا نعم، اختر ما تشاء.. رغم تمكنه من الإنجليزية، لكن شتان بين الثقة التي تحدث بها بالمصرية الدارجة والتقديم الرسمي بالإنجليزية.


دعنا نكون في كاليفورنيا عام ١٩٦٠ أو مصر عام ٢٠١٥!نشأة وتطور بيئة الشركات الحديثة مرت بمراحل عديدة في السيليكون فالي إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم. تطور الشركات من مراحل التمويل الذاتي إلى مرحلة تمويل الملائكة إلى ما يسمى Series A أو مرحلة A وبعدها B و C ، ثم تصل الشركة إلى البورصة أو تباع. عندما اتحدث مع صاحب مشروع ويبدأ بالحديث عن series A وتوقعاته لها، تزداد درجة انتباهي واشعر بنوع من الحذر. الحقيقة أن المناخ في مصر مختلف تماما عن المناخ في كاليفورنيا ورغم النشاط المحدود لشركات venture capital أو الاستثمار الأولي إلا أن الغالبية العظمى من المشروعات الحديثة يتحتم عليها الوصول إلى تحقيق سيولة إيجابية أو cash flow positive بعد مرحلة الانچيلس. في أمريكا وبريطانيا وألمانيا الصورة مختلفة، ولكن حتى ألمانيا التى بدأت متاخرة في تكوين startup ecosystem الشركات الحديثة تعمل بطريقة مناسبة بعالمها وأكثر حذّرا من ما اشاهده في كثير من الأحيان بمصر.


تقييم الشركات:أقوم بتدريس مادة شراء ودمج الشركات في جامعة سافولك في بوسطن منذ ٢٠٠٤ رغم أنني لست أكاديميا، لكن نتيجة خبرتي في شراء عدد يقارب الثلاثمائة شركة لشركات عملت بها، أو أدرتها أو أسستها. وربما يصل رقم الشركات التي تفاوضت معها ولم تتم الصفقة إلى أكثر من الألف.. ارتكبت أخطاء فادحة على مر السنين وتعلمت منها، لكن بشكل عام تكون لدي نوع من التوازن في استخدام طرق تجمع بين الفن والعلم لتقييم الشركات. أتحدث مع العديد من الشباب في مصر وأجد لديهم إما جهل تام بموضوع تقييم الشركات أو فكر مسبق عن تقييم أو تسعير شركاتهم كما لو كانوا في بالوالتو او منلو بارك في سليكون ڤالي في كاليفورنيا.. في بداية النشاط في مصر حدثت بعض التقيمات الخاطئة وهذا حدث قاتل في السوق. أصحاب المشاريع ينظرون إلى السعر الذي أخذه فلان أو علان ويصبح ذلك هو هدفهم.. كارثة!


يتحدث البعض عن استعمال الـ (DCF) Discount Cash Flow كطريقة للتقييم وهي طريقة مثالية، ولكن كما نقول في أمريكا garbage in garbage out بمعنى إذا كانت المعطيات خاطئة فستكون النتيجة أيضا خاطئة.. معطيات الـ DCF وهي طريقة حسابية لتقييم الشركات بناء على السيولة النقدية التي تستهلكها وتنتجها في المستقبل.. الافتراضات المبالغة في الأرباح وفي التوقيت وبطء حركة السوق المصري كلها أسباب للأخطاء وتكون من أهم النقاط الفائدة الافتراضية. توقعات هبوط الجنيه المصري في المستقبل مع معدلات التضخم ونسبة المخاطرة في الاقتصاد قد تدعونا إلى استخدام فائدة افتراضية تتراوح بين الـ ٤٠ و ٦٠٪ على حسب طبيعة المشروع والمنافسة. والـ DCF بالطبع ليس هو الطريقة الوحيدة للتقييم وفي العديد من الأحوال في الشركات الحديثة يشمل نوع من التنجيم.


الالفاظ: نقطة أخيرة وأقل أهمية وتشابة النقطة الأولى، وهي استخدام كلمات السباب بالإنجليزية. بدأت حياتي في أمريكا في مشاريع أنظمة أمن في سجون وقواعد عسكرية ومن يعرفني معرفة وثيقة يعلم تماما أنني من كبار مستخدمي الألفاظ المختلفة بعدة لغات، يعني من الآخر بالنسبة لي عادي تماما، لكن لكل مقام مقال.. عندما كنت اقدم شركتي في وول ستريت وشركات الاستثمار الكبرى والموتمرات الاستثمارية المختلفة، لا وجود إطلاقا لألفاظ خارجة، غير مقبول وغير معتاد. وفي مؤتمرات الـ startup في العديد من الأماكن في أمريكا نفسها خالية تماما من الألفاظ. لكن RiseUp استخدم طريقة بعض المؤتمرات التي تستخدم الألفاظ كجزء من خلع الرسمية وإدخال مناخ عفوي ريلاكسد ومنسجم وبعيد من التكاليف. هذا المناخ مناسب لي شخصيا، ولكنني لاحظت أن تاثيره كان سلبيا للغاية على العديد من المشاركين ومن الجمهور. المناخ أو البيئة ecosystem المصرية أو العربية يجب في رأيي أن تتأثر بكاليفورنيا وهي المعلم والمؤثر الأكبر وأيضا المستثمر، لكن يتحتم علينا العمل على خلق مناخ مناسب لنا في مصر والدول الناطقة بالعربية، وهذا المناخ يجب أن يرحب بمتحدثي العربية مستثمرين كانوا أو أصحاب مشاريع ويجب أن لا يصدمهم ويشعرهم أن الموضوع كله أجانب أو مصريون عاملين نفسهم أجانب. 


أكتب هذه الكلمات بروح النقد البناء، بروح المحب الذي يرغب في المساهمة والمساعدة.. عندما ذهبت إلى الإسكندرية لزيارة المكتب الجديد لشركة كريبتيد للبرمجيات Cryptyd  وهي أحدث استثمار لـ Cairo Angeles وقابلت الفريق وشاهدت بعض التفاصيل في عملية تطوير ألعاب الموبايل وثقتهم بأنفسهم وحبهم لعملهم، شعرت أنني محظوظ لأنني قادر على المساهمة في تحقيق هذه الأحلام، ولكني شعرت بامتنان عميق لرواد بناء هذا المناخ في مصر.


أيمن سعيد عاشور


نشر هذا المقال اولا في زائد ١٨.

Monday, July 14, 2014

الصراحة مع الشعب


كتبت من قبل عن توقعاتي الاقتصادية لمصر عقب قرارات رفع الدعم عن البنزين و الكهرباء و عن ادعاء الحكومة المصرية بأنها الحكومة التكنوقراطية التي تفعل الصواب وما هو لمصلحة البلاد و لكنها غير مسؤولة عن إقناع الشعب بسياستها. الحديث يدور عن محاولات مختلفة لدعم الفقراء بالعديد من السلع ونقل الدعم من البترول الي الشاي و السكر و الأرز و البيض الخ. لم أقراء شيئ عن حتمية ازدياد الفقر في مصر في السنوات المقبلة  و لم أسمع من الحكومة حديث بصراحة عن حتمية زيادة المعاناة و انه لا خيار او اي طريق اخر يمكن ان يصل الى نتيجة أفضل للفقراء. 

لا أنادي بزيادة معاناة الفقراء و زيادة الفقر في مصر و لكني ارى انها النتيجة الوحيدة لتدهور الوضع الاقتصادي بمصر منذ ٢٥ يناير ٢٠١١. التدهور الأمني أدي الي انهيار السياحة و صعوبة شديدة في العديد من الأنشطة الاقتصادية و بما فيها تصدير المصنوعات و المنتجات الزراعية حيث كان من الطبيعي ان يلجأ من يستورد المنتجات المصرية الي بديل مضمون فالجميع يسمع عن تدهور الأمن و حتى زيارات العمل الي مصر مثلها مثل السياحة انهارت، كيف يضع مستورد لسلع مصر ثقته في بلد في وضع خطر فهو يخشى على نفسه الزيارة. ماذا يحدث لدولة عندما تتدهور معدلات إنتاجيتها الاقتصادية ؟ تزيد الأسعار و تتدهور العملة و تزيد البطالة و يزيد الفقر. هذه هي النتيجة الطبيعية لما حدث في مصر و هذا للأسف ما لم يقولوه أيا من مرشحي الرياسة و ما لم تجاهر به الحكومة الي الان.  

لماذا تقع الكارثة الاقتصادية على الفقراء الذين لا يتحملون معاناة إضافية ؟ و هنا نتسائل لماذا الفقير فقير؟ لانه لا يملك رأسمال ، و لانه لا يملك مهارات مطلوبة في السوق و لان إنتاجه الاقتصادي ضعيف و بناء علي ذلك فهو فقير. عندما نقراء عن المجاعات في افريقيا التي تودي بحياة الملايين، من يموت بتلك المجاعات؟ انهم الفقراء بالطبع فقراء رأسمال و فقراء المهارات و فقراء الانتاج. 

وماذا عن العدالة الاجتماعية و هل من الممكن ان يتحمل الأغنياء في المجتمع التدهور الاقتصادي لحماية فقراء مصر من خطر التشرد و المجاعة؟ من الطبيعي ان يتحمل الأغنياء اعباء اكثر من الفقراء و لكن ما اسهل هروب راس المال و المهارات .. و اذا حاولت الدولة ان تضع اعباء التدهور الاقتصادي علي اغنى ١٪ او ٥٪ في المجتمع هل سيكون هذا كافيا لحماية فقراء مصر؟  الإجابة بالطبع لا و هنا نعود الي تجارب الخمسينات و الستينات في مصر و العديد من دول العالم ، حركات التأميم التي فشلت و أدت الي نتائج اقتصادية سلبية في مختلف دول العالم من الاتحاد السوفيتي الي السويد و من الصين الي بريطانيا. هذه هي طبيعة الحياة و طبيعة الحركة الاقتصادية في العالم كله. حتما يجب على أغنياء مصر ان يتحملون أعباء إضافية اكثر من الطبقات المتوسطة و فوق المتوسطة و علي هؤلاء ان يتحملو أعباء اكثر من الفقراء و لكن في النهاية هناك حتمية ان الأعباء ستقع علي الجميع و ان الغني سيكون اقل غناء و ان الفقير سيزيد فقرا و معاناة. الحكومة تترك المجال مفتوح بلا مناقشة حقيقية و بلا مصارحة ووضوح. يجب على الحكومة الحديث بشفافية عن أهمية النشاط الاستهلاكي في الحركة الاقتصادية و صعوبة تحقيق قدر اكبر من العدالة الاجتماعية في مرحلة انهيار اقتصادي. يجب على الحكومة الحديث بجدية عن الفساد و ان محاربة الفساد لا تعني محاربة الأغنياء. 

هذه الحقائق يجب ان تضعها الحكومة  أمامنا، حقائق يجب ان تشرحها الحكومة للشعب مثل ما حدث في اليونان و بلاد اخرى. وفي نفس الوقت تجد مصر نفسها في حالة عدم استقرار سياسي و هنالك ايضا مشكلة اكبر و هي حالة الحرب. البعض يدعي ان مصر ليست في حالة حرب و لكن نزاع على السلطة بين الجيش و الاخوان و اخرون ينظرون ألي داعش و الدولة الإجرامية التي أسستها داعش و ينظرون الي ليبيا و سوريا و يرون ان مصر في حالة حرب مصيرية. و هنا ايضا يجب علي عبد الفتاح السيسي و حكومته التي تدعي التكنوقراطية الحديث بصراحة عن الوضع الأمني. تحدث السيسي عن طموحة لمصر و انها ستكون " آد الدنيا" و لكنه لم يتحدث بوضوح عن خوفه عن انهيار مصر ككيان و دولة. 

المدافعون عن السيسي يتحدثون عن خوفهم من سقوط الدولة و عن الأجرات القمعية ضرورة لإنقاذ الدولة و لكن لم اسمع السيسي نفسه يتحدث عن الإخطار بوضوح و لكن في بعض الأحيان بالإيحاء. و معارضي السيسي يدعون ان خطر الإرهاب محدود للغاية و ما هو الا وسيلة للقمع و اعادة بناء دولة شمولية بوليسية خاضعة. لماذا لا تصارحنا حكومة السيسي ببعض الحقائق؟ لماذا لا تجيب علي الأسئلة التالية: 

١- ما دليلكم علي تورط الاخوان في أنصار بيت المقدس و سيناء و العمليات التكفيرين ضد المصريين؟ 
٢- ماذا يحدث في سيناء و كم عدد القتلي من المدنيين و الإرهابيين؟ 
٣- كيف تتوقعون وقف الشعب خلفكم في حرب مليئة بالسرية و الكتمان؟  

يجب على الحكومة معاملة الشعب كإنسان مدرك و ليس كطفل، تقول له أنصاف حقائق عن الوضع الاقتصادي و الأمني. طرق التواصل بين الحكومة و الشعب تذكرني بأنور السادات بعهد قديم، مرت عليه سنوات طويلة، قبل ثورة العولمة و ثورة التواصل الاعلامي و ثورة التواصل الاجتماعي. لن تنجح حكومة السيسي في اي من معاركها الاقتصادية او السياسية او الأمنية بدون تواصل حقيقي مع الشعب، تواصل موديل ٢٠١٤ و ليس تواصل موديل ١٩٧١