Showing posts with label المسيحية. Show all posts
Showing posts with label المسيحية. Show all posts

Wednesday, October 19, 2016

الثالوث المقدس

تتجنب الدراسة التاريخية للمسيحية في الغرب التعرض للنواحى الدينية والأمور التي هي محض إيمان أو قناعة دينية. تعتمد الدراسة التاريخية على المخطوطات المسيحية القديمة ووثائق الدولة الرومانية و تتعامل مع كل هذه الأمور بطريقة علمية بحتة بعيدة عن أفكار قدسية الأديان والإيمان بها. 

من أهم الأمور في تاريخ المسيحية موضوع ألوهية يسوع. متى تحول يسوع إلى إله. أستاذ تاريخ الأديان بجامعة نورث كارولينا بارت ايرمان ( Bart Ehrman ) نشر كتاب منذ عامين للخوض بالتحديد في هذا الموضوع. ويرى ايرمان ان ألوهية يسوع موضوع غاية في الأهمية في تاريخ الإنسانية. لولا ألوهية يسوع كانت المسيحية استمرت كحركة يهودية محدودة و ما تحولت الدولة الرومانية ككل إلى المسيحية. 

بحث ايرمان بالتحديد في أوضح نص عن فكرة الثالوث المقدس رسالة يوحنا الرسول الأولي ٥-٧ : "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ." والمقصود بلفظ "الكلمة" في الايه هو يسوع. لم يجد ايرمان في المخطوطات اليونانية القديمة هذه الآية و في بحثه عن مصدر الآية وجد أنها ظهرت في المخطوطات اللاتينية في العصور الوسطى. الإنجيل المنتشر حاليا في العالم هو ما يسمى إنجيل الملك جيمس بناء على أول إنجيل نشر بالإنجليزية عام 1611. اعتمد مترجمي إنجيل الملك جيمس على  نسخة تمت طباعتها باللاتينية مع الأصل  اليوناني أصدرها آراسموس الهولاندي

اول طبعة أصدرها آراسموس كانت خالية من هذه الآية. تعرض آراسموس لهجوم شديد من رجال الكنيسة الموالين للبابا و لكنه رفض تماما ان يدخل هذه الآية لأنه لم يجدها في أي مخطوطة يونانية. وعد آراسموس منتقديه أن يشمل هذه الآية في طبعات لاحقة إذا قدموا له مخطوطة باليونانية تشملها. يخمن ايرمان ان رجال الكنيسة قاموا بنسخ مخطوطة كاملة باليونانية لإرضاء آراسموس الذي وفى بوعده و في طبعة لاحقة ظهرت الآية بالأصل اليوناني و الترجمة اللاتينية. هذه هي الطبعة التي استخدمت في ترجمة الملك جيمس الشائعة إلى يومنا هذا. 

هنالك عدة آيات أخرى في الإنجيل تتحدث عن ألوهية المسيح  و يقدم ايرمان مناقشة شيقة عن التغيير في فكرة ألوهية المسيح من رسائل بولس الرسول ( تاريخيا اقدم اجزاء الإنجيل) إلى أناجيل مرقس، متى ولوقا إلى أحدث أجزاء الإنجيل و هو انجيل يوحنا و سفر الرؤية. نجد ألوهية المسيح تبدأ بعد الصلب و العودة الى الارض مع بولس و مع مرقس نراها تبدأ عند التعميد و مع متى و لوقا نراها تبدأ مع الولادة و عذرية مريم و لكن مع يوحنا نراها موجودة قبل من بداية الخلق (من قبل ابراهام كنت انا).

في كل أجزاء الانجيل هنالك دائماً فكرة ان الرب واحد و رفض تام لفكرة تعدد الاله. كلمة أخيرة، أحب أوضحها وهي انني لا أهاجم المسيحية على الإطلاق و لكن في الحقيقة انا احسد المسيحية على وجود نشاط علمي تاريخي نقدي للدراسة التاريخية بدون خوف و بحرية علمية كاملة خالية تماما من اي قيود. 

أيمن سعيد عاشور

Saturday, January 10, 2015

انا شارلي

لن اتحدث عن رأيي في رسومات كارتون شارلي لان محتوى المجلة لا يهمني. لست مرغم على شراءها او التطلع الي موقعها علي الانترنت فهي و محتواها امر لا يعنيني. لا يعنيني ما تقول مجلة ساخرة علي ديني، دعهم يسخرون حتى كفايتهم و اكثر، ديني و عقائدي لا تتاثر بمثل تلك الرسومات. رسوماتهم لا تغضبني على الإطلاق، رد فعلي الوحيد لها هو اللامبالة. ديني و عقيدتي لا يشوهم شارلي و لكن من يشوهم هم الارهابيون الذين ارتكبوا المذبحة في باريس و المهللون لهم و المدافعون عنهم، هؤلاء هم من يشوهون ديني و يغضبونني. 

عندما قامت حملة إعلانات مسيئة للمسلمين في مترو نيويورك كان لدي شعور مختلف تماما، و قامت المصرية الامريكية الشجاعة منى الطحاوي برش لوحات الدعاية المسيئة بدهان باللون البمبي و خالفت القانون و ألقي القبض عليها. مترو نيويورك مرفق عام يتحتم علي الآلاف من المسلمين يوميا استعماله و المرور امام تلك اللوحات الحقيرة. لا مفر و لا اختيار و لا طريقة لتجنب روؤية تلك اللوحات و هنا تتعارض حقوق التعبير في حقي ان لا اتعرض لتلك الاهانات. و كان اختيار منى الطحاوي للدهان البمبي نوع من السخرية باستعمال لون يرمز الي الحركات النسوية، لون يبعد عن اي رمز للعنف.  و ووقفت وحيدة امام سلطة القانون و الشرطة بحقيبة يدها الأنيقة و زجاجة الدهان البمبي لتعلن المعارضة و العصيان المدني للقانون و لإدارة المترو و كل من سمح بعرض الإعلانات. العنصرية و الكراهية لم تنتهي في امريكا و خاضت الطحاوي صراعا في المحاكم  و ظلت على موقفها الصلب. الآلاف من الأمريكيين من غير المسلمين تضامنوا مع الطهاوي، و العديد منهم شارك في حملات العصيان المدني ضد الدعاية المسيئة، المعركة مستمرة و لكن أعطت منى الطهاوي مثال عظيم في مجابهة الاساءة.

نترك فرنسا و الولايات المتحدة و ننظر الي ما يسمى بازدراء الأديان في مصر .. و الأديان في مصر تعني فقط الاسلام السني الأزهري و المسيحية الأورثوذكسية القبطية. ازدراء الشيعة و البهائية مكفول قانونا و ازدراء اليهود و الإشارة لهم بالأنجاس و الخنازير نطالعه يوميا رغم ان اليهودية مشمولة في قوانين ازدراء الأديان. و لكني ساكتفي الان  بالحديث عن الاسلام السني المصري و المسيحية القبطية الأورثوذكسية. المسيحية تعتمد بالأساس علي ما يسمى بالخلاص، من يؤمن بصلب المسيح و معاناته من اجل البشرية سيشمله الرب برعاية و محبة و مغفرة. كل كلمة في الجملة السابقة مرفوضة في الاسلام تماما. تصور المسيحية لدي المسلمين في مصر هو لدين اخر يختلف تماما عن ما يؤمن به المسيحيون ... الا يعد ذلك نوع من عدم الاحترام للاخر و ربما نوع من الازدراء؟ "لا ما اتصلبش خالص و الإنجيل متحور" الا تعد تلك الجملة ازدراء للعقيدة المسيحية كما يؤمن بها المسيحيون؟  كذلك المسيحيون لا يؤمنون برسالة محمد و لا الاسلام و حتي من يتقبل منهم نبوية محمد يعني بكلمة نبي رجل صالح او مبارك و ليس رسول من الله. الإيمان باي من العقيدتين يشمل ضمنيا رفض الآخري ... هل هنالك ازدراء في الرفض؟ 

نعود الي الغرب بشكل عام و فرنسا بوجه خاص، ونلقي نظرة على عقيدة اخرى مختلفة عن الاسلام و المسيحية، عقيدة علمانية الدولة و القانون. نجد الإيمان بتلك العقيدة إيمان حقيقي و عميق، فها هو رسّام مجلة شارلي يعلن انه كان مستعد ان يدفع بحياته ثمن الدفاع عن حريته في التعبير و السخرية من الأديان. نجد أمامنا عدة عقائد كل منها في الحقيقة رافضا للاخر تماما. و هنا نصل الي فكرة حتمية التعايش مع الاختلاف و قبول الاخر.  المساجد في فرنسا و دروس الدين تتحدث عن الكافرين و الملحدين بازدراء، الا يحق لهم الحديث في محافلهم الخاصة عن المسيحين و المسلمين و رفضهم لمبادئهم. كيف نطلب من الأغلبية الفرنسية الغير مسلمة السماح للإسلام بازدراء و رفض الأديان الآخري و لا نعطي نفس الحق للاغلبية. 

العديد من المسلمين الذين شجبوا المذبحة الإرهابية رفضوا المشاركة في حملة "انا شارلي" التي قامت للتضامن مع ضحايا مجلة شارلي، رفضوا لأنهم يرفضون محتوي المجلة، منهم من يرفض حقها في النشر و منهم من يقبل حقها في النشر و لكن في الحالتين رفضوا ان يقولوا "انا شارلي". هذا الرفض هو رفض لحرية العقيدة و لحرية كل عقيدة في رفض العقائد الآخري و التعبير عن نفسها. عندما ارفض شارلي فأنا ايضا ارفض حقي في ان اقول ان المسيح لم يصلب و انه لم يظهر لبولس و اني ارفض فكرة الخلاص. 

"انا شارلي" لأَنِّي ارغب في الحفاظ على عقيدتي كما أراها انا و في حقي انا في رفض العقائد الآخري. "انا شارلي" لأَنِّي مع الحق في التعبير و حقي في تجاهل و عدم المشاركة في تعبير ارفضه. "انا شارلي" لان شارلي له الحق يقول ما شاء في مجلاته الخاصة و لدي انا الحق ان اعتقد ما اريد و اقول ما اريد في مسجدي. "انا شارلي" لان عقيدتي انا ان رسامي شارلي و شجاعتهم  و وقوفهم مع المظلوم اقرب لعقيدتي من السفاحين القتلة. 


ايمن سعيد عاشور

first appeared on Mada Masr