في دراسة المفاوضات كطريقة لإنهاء النزاعات وتسوية الخلافات هنالك نظرية اسمها الباتنا. حروف ال BATNA هي اختصار ل البديل الأفضل عن الحلول التي تأتي بها المفاوضات ( Best Alternative To Negotiated Agreement) . عندما نتحدث عن المصالحة في مصر يجب أن نبحث ما هي البدائل للمصالحة. البديل الأول هو الانتصار الكامل: النزاع بين الأسد و فريسته ينتهي بالانتصار الكامل؛ الأسد يحقق هدفه و الفريسة تنتهي. البديل الثاني هو استمرار النزاع بصور مختلفة ، والبديل الأخير و هو المصالحة أو التسوية.
تواجه فكرة المصالحة في مصر الرفض لعدة أسباب سمعناها مرارا:
١- لا مصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدم
٢- لا مصالحة مع من يدخل الدين في السياسة
٣- لا مصالحة مع من يؤيد فكر الخلافة والإسلام السياسي و لا مصداقية لهم حتى إذا ادعوا أنهم تخلوا عن هذا الفكر.
دعنا نلقي نظرة سريعة على العالم حولنا، تسوية النزاع الدموي في إيرلندا الشمالية انتهت بالتصالح بين الحكومة البريطانية مع التيارات المتطرفة من البروتستانت من ناحية والجيش الجمهوري الكاثوليكي من ناحية أخرى. منظمات لها أذرع إرهابية ارتكبت جرائم بشعة نجحت في التصالح في ايرلندا. في يومنا هذا ننظر إلى العمل الجاد من أجل التصالح بين حكومة كولومبيا ومنظمة الفارك الإرهابية بعد حرب استمرت خمس عقود. وفي مصر نفسها ننظر إلى نهاية الصراع مع إسرائيل بعد أربع حروب سالت فيها دماء عشرات الآلاف ودمرت المدن وشردت مئات الآلاف. فكرة المصالحة بعد الدم ليست جديدة على الإطلاق.
تواجه فكرة المصالحة في مصر الرفض لعدة أسباب سمعناها مرارا:
١- لا مصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدم
٢- لا مصالحة مع من يدخل الدين في السياسة
٣- لا مصالحة مع من يؤيد فكر الخلافة والإسلام السياسي و لا مصداقية لهم حتى إذا ادعوا أنهم تخلوا عن هذا الفكر.
دعنا نلقي نظرة سريعة على العالم حولنا، تسوية النزاع الدموي في إيرلندا الشمالية انتهت بالتصالح بين الحكومة البريطانية مع التيارات المتطرفة من البروتستانت من ناحية والجيش الجمهوري الكاثوليكي من ناحية أخرى. منظمات لها أذرع إرهابية ارتكبت جرائم بشعة نجحت في التصالح في ايرلندا. في يومنا هذا ننظر إلى العمل الجاد من أجل التصالح بين حكومة كولومبيا ومنظمة الفارك الإرهابية بعد حرب استمرت خمس عقود. وفي مصر نفسها ننظر إلى نهاية الصراع مع إسرائيل بعد أربع حروب سالت فيها دماء عشرات الآلاف ودمرت المدن وشردت مئات الآلاف. فكرة المصالحة بعد الدم ليست جديدة على الإطلاق.
ننظر إلى خلط الدين بالسياسة وهنا نجد أمامنا إسرائيل والأحزاب الدينية والضغوط التي تمارسها مثل منع حافلات النقل يوم السبت ومحاولات التأثير على المجتمع داخليا و السياسة الخارجية. ثم ننظر إلى الهند و نجد حزب BJP القائم على أساس ديني وتاريخ جماعات الهندوس المتطرفة وتغيير أسماء المدن والأعياد الرسمية. ثم ننظر إلى الولايات المتحدة و دخول المسيحيين الإنجيليين المتشددين في السياسة منذ السبعينات الى يومنا هذا؛ الدولة ذات الدستور الأكثر علمانية في التاريخ لا تصادر حق اتباع الأفكار الدينية المتشددة من المحاولة المستمرة في التأثير على السياسة و على تمرير قوانين منبعها الأساسي هو العقيدة الدينية. منع الأحزاب الدينية فكرة غريبة لا صلة لها بالديمقراطية ولا بالعلمانية!
النقطة الأخيرة وهي رفض المصالحة لان الطرف الاخر يعمل من وحي عقائدي ولن يتخلى عن أفكاره السوداء و سيستمر إلى الأبد في المحاولة لفرض ما يرى أنه المشيئة الإلهية. إذا صح هنا فمن المنطق أن نصمم على الإبادة الكاملة، السلام الذي يشعر به الأسد بعد القضاء على فريسته، هو السلام الوحيد الذي نقبله إذن. هل مصر كدولة ترغب في حلول الإبادة الجماعية؟ و إذا رغبت هل هي فعلا قادرة على تنفيذ مثل هذا الحل الدموي المرعب الرهيب؟
إسرائيل تعرقل محاولات الوصول إلى حل نهائي مع الشعب الفلسطيني لأنها نجحت في الوصول إلى باتنا. استمرار النزاع أفضل من أي حل تفاوضي.قد يستمر النزاع لعقود طويلة و لكن ثمنه مقبول لإسرائيل. لماذا تقدم إسرائيل تنازلات ترى أنها قد تعرضها للخطر في المستقبل. الاقتصاد الإسرائيلي ناجح و الدبلوماسية الإسرائيلية حققت نجاح مقبول. الفلسطينيون يحاولون تحقيق تقدم عن طريق انتزاع الباتنا من أسرائيل عن طريق الضغوط السلمية تارة والعنف تارة أخرى وإسرائيل تعمل على أضعافهم حتى تحافظ على الباتنا. وفي هذا المثال نتحدث عن فكرة التفاوض دون التوغل في قيم العدالة والأحقية.
الإبادة النهائية ،بغض النظر عن المسؤولية الأخلاقية، ليست متاحة كحل للنزاع مع الإسلام السياسي في مصر. استمرار النزاع لعقود طويلة غاية في الصعوبة نتيجة الثمن الاقتصادي العالي. الخلاف مع الإسلام السياسي في مصر ليس معزول في منطقة جغرافية محددة ولا في طبقات معينة. الخلاف والاستقطاب موجود في كل مكان في مصر، الخلاف و الاستقطاب موجود حتى في الأسرة الواحدة. مصر في أمس الحاجة إلى الاستثمار المحلي والأجنبي واستمرار النزاع يهدد الاستقرار والاستثمار. عاجلا ام اجلا المصالحة مع التيار الإسلامي في مصر حتمية! و ربما اليوم مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية ومع قرب نهاية داعش تجد الدولة المصرية نفسها في موقف يساعدها على الوصول إلى مصالحة من موقع أفضل من الثلاث سنوات الأخيرة.
ما هي أسس المصالحة ؟
اولا: دستور يتكفل بمبادئ حقوق الانسان طبقا لمعاهدات جنيف و الميثاق الدولي لحقوق الإنسان. و هذا الدستور قد يكون ما يسمى دستور فوقي ولا بأس من ذلك. و يتم تعديل هذا الدستور بموافقة الغالبية العظمى من المواطنين و تكون الغالبية العظمى في كل المحافظات. وعلى سبيل المثال ٧٥٪ او حتى ٩٠٪ في كل المحافظات. إذا صوتت جميع المحافظات بتعديل ما وفي أسيوط أو جنوب سيناء وصل التصويت لصالح التعديل إلي ٦٠٪ فقط فلا يقبل التعديل. الدور الأساسي للدستور هو حماية حقوق الأقليات من ديكتاتورية الأغلبية.
ثانيا: علاقة الدين بالدولة: يتم استبدال المادة الثانية بمواد تشير إلى المضمون المطلوب دون الاستعانة بعموم الشريعة الإسلامية. على سبيل المثال يجب وضع قوانين تسمح أو لا تسمح بتعدد الزوجات، قوانين تحدد قواعد الإرث و تسمح أو لا تسمح بالوصايا. و هذا يعني ان نصل الى فكرة قانون وضعي بالكامل بدون الحاجة الى اللجوء الى الفقيه. الإعدام يتطلب مراجعة محكمة عليا طبقا لأسس قانونية ودستورية وليس موافقة المفتي.
المصالحة إذن ليست في الإصرار عن تخلي مؤيدي الاسلام السياسي او الخلافة عن أفكارهم و لكنها تكمن في التوصل إلى خارطة طريق تعطيهم بريق من الأمل، ولو محدود، في تحقيق جزء من أهدافهم بطرق سلمية مع الحفاظ على حقوق الإنسان. الدستور الأمريكي العلماني ،نظريا، يقدم اليوم للإخوان وأنصارهم طريقة ديمقراطية لتطبيق قوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية في أمريكا نفسها عن طريق تشريع قوانين المطابقة للدستور مع الحفاظ على علمانية الدولة. الفكرة الأساسية هي إعلاء نص القانون الوضعي المعاصر المفهوم للجميع بغض النظر عن مصدره. اليوم نجد تيارات التمييز الديني والعنصري في أمريكا تحرض بشدة ضد المسلمين، ولكن رغم قلة عدد المسلمين في أمريكا (حوالي١٪) إلا أن دستور الحريات وحقوق الإنسان يحمي هذه الأقلية الصغيرة من خطر الأغلبية و أي محاولة لتغيير الدستور تستغرق سنوات طويلة وتتطلب موافقة الأغلبية العظمى من المواطنين في كل الولايات.
إذا كان الإخوان و أنصارهم فعلا لا يؤمنون بفكرة مصر كدولة وثقافة ووطن وشعارهم هو فعلا "طز في مصر" دعنا، رغم رفضنا الكامل لفكرهم، نرحب بهم في العملية السياسية. دعهم يقدمون مشاريع قوانين وإذا أرادوا تعديل الدستور لتقليل الحريات أو حتى لدمج مصر مع تركيا أو غيرها دعنا نقدم خريطة دستورية واضحة وشديدة الصعوبة لتحقيق غايتهم. نحن لا نملك القدرة على تغيير الأفكار و لسنا قادرون على حلول الإبادة النهائية او الاقصاء الأزلي. إذا تمكن الإخوان من الحصول على تأييد ٩٠٪ من الشعب لتغيير اسم مصر او لضمها لتركيا هل من المعقول ان لا يسمح لهم تطبيق سياسة "طز في مصر"؟
كيف نضمن الحفاظ على الدستور؟ مصر دولة ضعيفة المؤسسات و تعاني من نسبة عالية من الأمية السياسية و موروث ضخم من النزعات التمييزية والتسلطية والعصبية. هنا يأتي دور الجيش وباقي مؤسسات الدولة في الحفاظ على الدستور وفِي الحفاظ على قضاء مستقل يحكم بنصوص وضعية.
كيف نضمن الحريات؟ كيف نضمن احترام الدستور؟ هذه كلها أمور غاية في الأهمية و يجب ان تستغل الدولة التحسن في المناخ الدولي في الحصول على الضمانات التي تقلل الشك والقلق. مصر في حاجة إلى تحقيق نسب نمو اقتصادي عالية. الفقر والمعاناة والإقصاء هم روشتة للتلاعب بعقول البسطاء وغسيل الأمخاخ. مناخ الحرية والتقدم الاقتصادي و التعليم هو أفضل طريقة لضمان الحريات وحقوق الانسان. الإبادة الجماعية مستحيلة، استمرار النزاع يَصْب في صالح من ننازع. المصالحة الاجتماعية والسياسية حتمية و الوقت المناسب هو اليوم قبل الغد.
أيمن سعيد عاشور